مطلب شعبي.. حكومة كفاءات من المستقلين لا محاصصة سياسية
الخطر القادم يتشكل بصمت: دويلات جديدة على أنقاض الجمهورية
حكومه المستقلين ستحفز المجتمع الدولي على دعم البلاد
*- شبوة برس - المراقب السياسي لصحيفة الأيام
> وسط كارثة اقتصادية لم يشهد اليمنُ لها مثيلًا من قبل وتعقيدات الواقع السياسي اليمني، واستمرار التدهور الخدماتي، يبرز تساؤل مصيري: هل لا يزال نظام تقاسم السلطة بين المكونات السياسية قادرًا على إنقاذ اليمن؟ أم أن الحاجة اليوم أصبحت ملحّة لتشكيل حكومة كفاءات من المستقلين تنقذ ما تبقى من مؤسسات الدولة، وتعيد الأمل لملايين المواطنين الغارقين في دوامة الفقر والحرب؟
المستقلين هم الشريحة الكبري في جنوب اليمن وشماله وجميعهم تم تهميشهم بطريقة او بأخرى وبالذات عبر حصر التشاورات والاجتماعات بالخارج وبالذات في الرياض بعيداً عنهم في الداخل.
اتفاق الرياض كان تحالف الضرورة الذي فاقم الانقسام وعمق الفساد في البلاد ففي نوفمبر 2019، وقّعت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والمجلس الانتقالي الجنوبي اتفاق الرياض برعاية سعودية. هدف الاتفاق حينها إلى إنهاء المواجهات المسلحة في الجنوب وتوحيد الجهود في مواجهة الحوثيين. وكان من أبرز بنوده تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، وتوزيع المناصب السيادية والوزارية بين المكونات السياسية والعسكرية.. لكن سرعان ما تحوّل الاتفاق إلى منصة لتقاسم النفوذ والسلطة، بعيدًا عن أي مشروع وطني فعلي فقد تم توزيع الوزارات وفقًا للولاءات والانتماءات، لا على أساس الكفاءة أو التخصص.. الاتفاق تحوّل بفعل الساسة اليمنيين من خارطة طريق لبناء الدولة إلى آلية شرعية لتقاسم النفوذ والسلطة وتقنين الفشل والفساد.
ظل الصراع السياسي حاضرًا داخل أروقة الحكومة، وحوّلها إلى حكومة عاجزة عن اتخاذ قرارات جادة أو تقديم خدمات حقيقية للمواطن، وبالتوازي تعمّق الانقسام العسكري، وبقيت التشكيلات المسلحة التابعة للأطراف الموقعة على اتفاق الرياض خارج إطار مؤسسات الدولة وتم استهداف التشكيلات العسكريه التي صدرت بها قرارات جمهورية عبر اضعافها ومنع تمويلاتها لافساح المجال للبدائل اخرى.. وهكذا بدلًا من أن يكون اتفاق الرياض مدخلًا لبناء دولة، تحوّل إلى إطار شرعي لاستمرار التشظي وإعادة إنتاج الفشل.
فشل المحاصصة: عندما تُدار الدولة كغنيمة
لقد أظهرت التجربة اليمنية بوضوح أن المحاصصة لا تعني الشراكة في بناء الدولة، بل تحولت إلى تقاسم للغنائم وتكريس للمصالح الفئوية والجهوية.
الوزارات أصبحت حصصًا حزبية وقبلية، وفقدت القدرة على العمل وفق رؤية وطنية موحدة.. غابت المحاسبة، فكل طرف سياسي يغطي على فساد "وزرائه"، مما أدى إلى تضخم غير مسبوق في الهدر والفساد.
أدى هذا النموذج إلى عزوف المواطن عن السياسة، بعد أن أصبح يشاهد نفس الوجوه تتكرر بلا إنجاز، فقط بتغيير العناوين. وهكذا، لم تنتج المحاصصة إلا مزيدًا من التناحر، وتعميقًا للهوة بين الدولة والمجتمع.
النظام السياسي اليمني ما بعد 2011 تبنّى بشكل غير معلن نموذج المحاصصة، تحت لافتات "الشراكة الوطنية" و"ضمان تمثيل الجميع". ولكن في الممارسة، كانت هذه المحاصصة وصفة جاهزة لتقويض أي حكومة.
وكان من الآثار السلبية لهذا النموذج تحول الوزارات إلى إقطاعيات سياسية، يُعيّن فيها الوزراء بناءً على ولاءاتهم لا كفاءاتهم.
وانتقل الصراع الحزبي إلى داخل الحكومة، ما أدى إلى شلل مؤسسي في اتخاذ القرار. أما الفساد فقد تصاعد بشكل منهجي بسبب غياب آلية محاسبة فعالة، حيث يغطي كل طرف على فساد منتسبيه.
كل هذا تسبب في تآكل ثقة المواطن بالحكومة، إذ لم يعد يرى فيها سوى انعكاسًا لصراع القوى لا أداةً لخدمته.
إن هذا النموذج، الذي تم تكريسه بالنسخة الثانية من اتفاق الرياض والتي بـ"الاتفاق المكمل" لم يُنتج دولة بقدر ما عمّق حالة الدولة الفاشلة، وأسهم في تعزيز التشظي المناطقي والمؤسسي.
الحاجة إلى التكنوقراط المستقلين: طريق الإنقاذ الممكن
في ظل هذا الانسداد السياسي، تبرز الحاجة إلى تشكيل حكومة تكنوقراط من المستقلين كخيار إنقاذي يتجاوز الصراعات الأيديولوجية والمناطقية، ويركّز على الأولويات الوطنية.
من مميزات حكومة التكنوقراط: تحييد العمل التنفيذي عن الصراع السياسي، مما يسمح بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة وتحسين الخدمات، اختيار الوزراء بناءً على الكفاءة المهنية والنزاهة، لا على الولاء السياسي، استعادة ثقة المواطن في الدولة كمؤسسة راعية للحقوق لا كأداة للنفوذ، تمكين مؤسسات الرقابة والمحاسبة من العمل بحرية بعيدًا عن الغطاء السياسي للفساد، تحفيز المجتمع الدولي على دعم الحكومة اقتصاديًا وسياسيًا، نظرًا لابتعادها عن الأجندات الحزبية.
بالمقابل لا شك أن الانتقال نحو حكومة كفاءات من المستقلين سيواجه مقاومة عنيفة من الأطراف السياسية والعسكرية المستفيدة من الوضع القائم.. من أبرز التحديات رفض المكونات النافذة التخلي عن نصيبها في السلطة، غياب آلية دستورية متوافق عليها لتشكيل حكومة خارج المحاصصة، التهديدات الأمنية التي قد تعيق الوزراء المستقلين عن أداء مهامهم من الداخل.
لكن مع ذلك، فإن وجود ضغط شعبي متصاعد، ودعم إقليمي ودولي جاد، يمكن أن يسهّل هذا التحول، ويمنح الحكومة الجديدة مساحة للعمل.
بالخلاصة ما لم يتم فصل العمل التنفيذي عن التجاذبات السياسية والعسكرية، فستبقى البلاد في دائرة الفشل المتكرر. الحكومة القادمة يجب أن تُبنى على أسس مختلفة تمامًا: لا ولاءات حزبية، لا محاصصة مناطقية، بل كفاءة، مهنية، وحياد وطني.
إن تشكيل حكومة تكنوقراط من المستقلين اليوم لم يعد خيارًا نخبويًا أو نداءً إصلاحيًا مجردًا، بل أصبح ضرورة وطنية عاجلة لإنقاذ البلاد من الانهيار الشامل. فإما أن نعيد بناء الدولة بمفهومها المدني، أو نستسلم لانزلاقها النهائي نحو التفكك وهذا التفكك لن يكون بحدود 1990م بل بدويلات جديده ستنشئها صراعات بينية عنيفة.
وعلى دول المنطقة الاستعداد لأكبر موجة من النازحين ستصل إلى حدودهم نتيجة الفشل في إدارة البلاد الواقع اليوم تحت البند السابع.