انه السقوط الأخير للشرق الأوسط

2025-07-19 16:55

   

لا شيء يشي بأن القوى السياسية في الداخل , بالتبعية العمياء للقناصل , تعي ما تداعيات الفوضى في سوريا على لبنان بعدما حلت  ثقافة الحجاج بن يوسف الثقفي محل ثقافة محيي الدين بن عربي , وما تداعيات الهيستيريا الايديولوجية في اسرائيل , بالتأويل الجنوني للنصوص المقدسة .

    كما لا شيء يشي بأن الحكومات العربية تستذكر ما كتبه الفيلسوف الفرنسي اليهودي برنار ـ هنري ليفي "سقوط سوريا يعني سقوط الشرق الأوسط" , وتدرك بأن المشروع الذي يطبق جثة فوق جثة على الأرض ليس مشروع دونالد ترامب ـ بنيامين نتنياهو , وانما هو المشروع التوراتي , وحيث يفترض أن تقوم أمبراطورية يهوه , ليس من الفرات الى النيل فقط  , بل من حدود الصين الى ضفاف المتوسط , بعدما نجحت الأنظمة في تحويل المجتمعات العربية الى مجتمعات محطمة , أو آسنة , أو ميتة . تماماً كما لو أنها تنفذ , حرفياً , نظرية الباحث الأميركي , ورجل الاستخبارات الشهير , ماكس مايوانغ , تحت عنوان "دع عدوك يستيقظ ميتاً" . وها اننا نستيقظ موتى فعلاً ...

  هكذا ليست ايران وحدها العدو , ولطالما علت فيها الصيحات بازالة اسرائيل من الوجود , أو "حزب الله" , بشعار "الطريق الى القدس" , ولا حركة "حماس" , وهي القنبلة في الخاصرة . ذاك المشروع لا يريد فقط تعرية لبنان وسوريا  والعراق , وحتى تركيا , من أظافرها , وانما تحويلها الى قهرمانات للهيكل .

  ما الشيء الذي لم يفعله احمد الشرع من أجل تأكيد "الأخوة" بين سوريا واسرائيل (في اذربيجان كاد الوفدان السوري والاسرائيلي يتبادلان القبل) , وهو الذي اختاره الأميركيون والأتراك لتقديم رأسه هدية الى نتنياهو . الرئيس السوري قال , علناً , للاسرائيليين "لسنا أعداءكم" , بل "ان عدونا مشترك" , أي ايران و "حزب الله" , ما يقتضي أن نكون في خندق واحد , وفي مسار واحد . وبعدما ابتدع فقهاء "ميثاق ابراهيم" تلك الفتوى الهجينة التي تضع اسحق واسماعيل تحت خيمة واحدة , كما لو أنك تضع قايين وهابيل تحت خيمة واحدة .

  ما كانت النتيجية . نتنياهو , وبالتنسيق مع ترامب , لم يضرب الشرع على ظهره بل على رأسه , ان في القصر الجمهوري أو في مبنى هيئة الأركان كرمز للسيادة السورية . متى كان مفهوم السيادة يليق باي دولة عربية , بعدما بلغ الصلف الغربي حدوده القصوى بقول المستشرق برنارد لويس "هؤلاء لا يدارون بأصابع اليدين وانما بأصابع القدمين" .

 حكومات رثة , ومجتمعات فارغة , وغارقة في معادلات الحلال والحرام . وقد رأينا كيف تبنى الدولة السورية بسحق ملايين العلويين بتهمة كونهم "فلول النظام" , وكيف تغزى السويداء باعتبار الدروز "أشد كفراً من اليهود والنصارى" . في نهاية المطاف لخدمة الغرب الذي متى سار على خطى السيد المسيح , ولخدمة اسرائيل كأداة لاهوتية , وعسكرية , للغرب الذي لم , ولن , يعترف بالعرب ككائنات بشرية سوية .

 قضيتنا الآن , كلبنانيين , أن في سوريا أو في المنطقة العربية هي في الدور الذي أنيط برجب طيب اردوغان الذي كل ما فعله , كفاتح لسوريا , حول الغارات الاسرائيلية على دمشق , وهي مدينة التكية السليمانية , هو القول انها "غير مقبولة" (هل من عبارة أكثر رقة من ذلك ؟) . سوريا التي ظن , وظننا , أنها في يده أثبتت الطائرات الاسرائيلية التي يبتهل اليها الحاخامات كونها "الملائكة المدمرة" , أنها في يد نتنياهو الذي قرر احتلال الجنوب السوري باعلانه منطقة منزوعة السلاح .

لا ندري متى يدرك الرئيس التركي , وقد تمنينا لو قدم للعالم صورة حديثة عن الاسلام , لا ذلك الاسلام , بالايديولوجيا المكفهرة والتي تترعرع بين الأقبية , أو بين الكهوف , أن رهانه على احياء السلطنة العثمانية رهان سيزيفي , بل ودونكيشوتي , تماماً كمن يحارب طواحين الهواء , وهو الذي يلاحظ ألاً أمبراطورية الان سوى الأمبراطورية الأميركية التي تضع يدها , بشكل أو بآخر , حتى على تركيا .

  اللعب على الخيوط , بما في ذلك خيوط العنكبوت , لم يعد مجدياً اذا ما تذكر قول فاليري جيسكار ـ ديستان ان الاتحاد الأوروبي ناد للمسيحيين , وأن اردوغان يبدو وكأنه يريد أن يدخل الى النادي بطريقة , وبأسلوب , الغزاة . ذاك التاريخ انتهى , وانتهي معه صهيل الخيول العثمانية على اسوار فيينا .

 كلنا نعلم ما حال البلدان العربية الآن . هل سمعتم برجل يدعى أحمد أبو الغيط ويشغل منصب الأمانة العامة للجامعة العربية التي تغفو , منذ مائة عام , أو أقل بقليل , على وقع الطرابيش , كما على وقع الأراكيل . من زمان تحدث محمد الماغوط على "أننا بدأنا بتجهيز سلحفاة للصعود الى القمر" . هكذا يعدّ العرب أنفسهم للدخول في القرن الحادي والعشرين , كما لو أن السكين لن تطاول كل الخرائط وكل العروش , ليبقى العرب , والى الابد , في الثلاجة الأميركية , وحتى في الثلاجة الاسرائيلية .

  قلنا انه السقوط الأخير للشرق الأوسط  , بعد سقوط سوريا . وهذا منطق الأشياء . تصوروا أن يراهن بعض أئمة المساجد  على دور لرجب طيب اردوغان الذي لا يتقن اللعب سوى في الزوايا , لا في الخنادق , في اخراج العرب من براثن اسرائيل , كما لو ان من خططوا لتقطيع سوريا ارباً ارباً , وها هي تتمزق , لن يفعلوا ذلك بتركيا التي فعلت بسوريا ما فعلته . 

  الغرب لم يعد ينظر الى اسرائيل لؤلؤة الشرق الأوسط بل سيدة الشرق الأوسط . هل يتناهى اليكم هدير الطائرات . أنين المحطمين لا يصل الى السماء !!