قضية الجنوب بين سياسة فن الممكن والقفز على الواقع

2025-07-08 21:52

 

يظن البعض ان باستطاعة قيادة المجلس الإنتقالي اعلان الدولة الجنوبية وان العالم سيعترف بها بعد ساعات ويقدم لها الدعم! 

لا ياسادة قيادة المجلس الإنتقالي تعرف فن الممكن في السياسة وتعرف ان اي قرار متسرع قد يضيع الحق الجنوبي في استعادة استقلاله ودولته وتقرير مصيرة.

- تأثير المتغيرات الدولية على قضية الجنوب:

السياسة الدولية تتغير وفق المصالح الاستراتيجية، وهي دائمة التجديد، لكن بثبات مبدأ تقديم مصلحة الدولة على مصالح الآخرين..

في الحاضر تسنم الحكم في العالم قيادات شعبوية غير نخبوية أتى بها الشارع وإن كانت عبر أحزاب وانتخابات.. ومن عاصر او قرأ سير الحكام السابقين في العالم في أوروبا وأمريكا يرى فرق شاسع بين حكام النخب وقيادات الشوارع.

والقضية الجنوبية تأثرت بطرق غير مباشرة من هذه السياسات التى اصبحت المصلحة فيها قبل المبدأ! واذا تعارضت مع الحرية والكرامة يجب التضحية بهما من اجل المصلحة كما هو الحال في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه قضايا الشعوب المظلومة ومنها شعب الجنوب.

- تأثير المتغيرات الإقليمية على قضية الجنوب:

الجنوب جزء من الإقليم وما يحدث في الإقليم يؤثر على قضية الجنوب، هناك استقطابات وتسابق على السيطرة والزعامة بين دول الإقليم وكل دولة تريد ان تكون لها اليد الطولى في المنطقة وهذا شيء طبيعي.. لكن الغير طبيعي ان تكون قضية شعب جزء من المقايضة بين الكبار في الإقليم.

من حق أي دولة ان تكون قوية، وان يكون لها ثقل يحسب له.

الأثر الإقليمي للمتغيرات على قضية الجنوب يكمن في خطوط السياسة المرسومة للمنطقة بشكل عام ومخطط (الشرق الأوسط الجديد) الذي تنفذه حاليا الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع إسرائيل وبعض دول الإقليم، ولا نجازف اذا قلنا ان موقع الجنوب الاستراتيجي على قمة اهتمام الدول الأجنبية و الإقليمية بالتأكيد سيتأثر بما يحصل في المنطقة.

هجمات المليشيات الحوثية على الملاحة الدولية أضافت بعدا آخر للأهمية، وهو كيفية السيطرة على باب المندب والتحكم في هذا الممر الدولي الهام، لذلك فإن مايحصل في المنطقة ينعكس سلبا على قضية الجنوب، العالم ينظر لمصالحه فقط ولا يهتم إن كانت على حساب مصالحنا.

- هل يمكن إعلان فك الإرتباط في الظروف الراهنة؟:

المجلس الإنتقالي منذ تاسيسه يحاول ارساء اسس صلبه لإستعادة الجنوب وقيادته لا تألوا جهد في سبيل ذلك لكن هناك عقبات قانونية يجب تجاوزها بحذر شديد وحنكة سياسية دون الإضرار بقضية الجنوب لأن القفز على الواقع لن يكون في مصلحة الجنوب.. صحيح الجنوب يعاني ويدفع الثمن غالي ويعيش حالة من التجويع الممنهج.. لكن لو فرضنا ان المجلس الإنتقالي اعلن (فك الإرتباط) غدا !! هل سيعترف به العالم بعد غد ويتقبله دولة ذات سيادة؟؟

وماهي المؤهلات القانونية التي تدعم فك الإرتباط؟

وهل لدى المجلس الإنتقالي القدرة على تحمل اعباء الجنوب في ظل وضع اقتصادي منهار دون دعم خارجي؟؟

من خلال ماسبق يتضح لنا بأن المغامرة ستقوض قضية الجنوب و سيكون ضررها كبير جداً لأننا نعيش وضع سياسي متقلب لم تتضح توجهاته بعد، لذلك اعتقد ان سياسة المجلس الإنتقالي تسير في الطريق الصحيح وأن المجازفة محفوفة بالمخاطر.

عندما تشكل الحراك الجنوبي الرافض للاحتلال أيام حكم عفاش وكانت الدولة قائمة كنا أقرب منا اليوم لتحقيق استعادة الجنوب ! لماذا؟

لأن مؤسسات الدولة موجودة والبلد مستقر، ولو وجد الداعم الخارجي الذي يتبنى مساندة قضية الجنوب لكان الوضع مختلف تماما عم هو عليه اليوم في ظل الأزمة والحرب والتدخل الخارجي.

- لو لم يكن الإنتقالي موجود.. يجب إيجاده:

قضايا الشعوب وحريتها لا تتحقق الا بأدوات فاعلة تحمل على كاهلها هدف تحقيقها وتضحي بالغالي والنفيس في سبيل ذلك. 

شعب الجنوب قدم سيل من التضحيات ولا زال في سبيل استعادة استقلاله والمجلس الإنتقالي جاء تتويجا لتلك التضحيات ويجب الحفاظ عليه والدفاع عنه.. 

لو لم يكن هذا الكيان الشعبي موجود (الإنتقالي) لكان اولى اولويات متطلبات المرحلة الحالية تشكيل كيان يحمل تطلعات شعب الجنوب في استعادة استقلاله وبناء دولته بعيدا عن صنعاء وتسلط المليشيات الحوثية السلالية التي استوردت المذهبية من أجل استعباد الشعب تحت مسميات الولاية والتبعية العمياء لعمائم اهل الضلال من الاثنعشرية الرافضة. 

الجنوب ينشد دولة مدنية تحترم انسانية الإنسان لأنه إنسان بعيدا عن العصبيات والمذهبيات والسلاليات أخذا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (لينتهيَنَّ أقوامٌ يفتخرونَ بِآبائِهِمُ الذينَ ماتُوا إِنَّما هُمْ فَحْمُ جهنمَ أوْ ليكونُنَّ أَهْوَنَ على اللهِ مِنَ الجُعَلِ الذي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بِأنْفِهِ إِنَّ اللهَ قد أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفَخْرَها بِالآباءِ إِنَّما هو مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ الناسُ كلُّهُمْ بَنُو آدمَ وآدَمُ خُلِقَ من تُرَابٍ).

- الخلاصة:

نعتقد ان المجلس الإنتقالي وإن كانت لنا تحفظات على بعض اعماله إلا انه يسير في الطريق الصحيح في ظل اوضاع صعبة جدا، ونعلم ان القرار في يد من يحمل ملف الأزمة.. فلا نحمل الإنتقالي مالا يستطيع، لكن يجب التمسك به والحفاظ عليه وتصحيح مساره وإصلاح اي خلل يعتريه.