حرب 12 يومًا… الخروج من "فوردو"

2025-06-29 17:47

 

حرب الـ12 يوماً انتهت . لا نتائج حاسمة ولا نصر مبين، فضلاً عن غموض يكتنف دقة الإنجازات المُعلنة، وكأنك، عزيزي القارئ، تعيش في زمن ما بعد الحقيقة، حين تأتيك أخبار الحرب كعروض سريعة، ثم تُفاجئك التسويات وقد حُسمت بطرق غامضة على طاولات افتراضية. نعم، لقد أُصيبت منشآت نووية إيرانية، وغابت عنها عقول إلى غير رجعة، و تزعزعت ثقة "الداخل الإسرائيلي" لأول مرة حين شاهدوا صواريخ تحط على مدنهم. ولكن كل ذلك… بلا تتويج تاريخي.

 

لا بدّ أن إيران قد أعدّت منذ وقتٍ كافٍ خطة طوارئ دقيقة لمواجهة أي تهديد يطال منشأة فوردو النووية، التي تُوصف بأنها قلب البرنامج النووي، ونواته الأشد تعقيدًا وتحصينًا.

ورغم ما قيل عن حجم الاختراق الاستخباري غير المسبوق في إيران، إلا أن تفاصيل ما جرى لم تُكشف حتى الآن، ولم يُعرف على وجه اليقين ماذا تم نقله، وكيف، ومتى.

الكلام الكثير حول مصير البرنامج النووي حتى الآن يُغذّي الغموض أكثر مما يبدّده.

 

الضربة الأمريكية، التي استُخدم فيها سلاح عالي التدمير، يُعتقد أنها أحدثت خرابًا (يصعب تقديره تحت الارض) حيث تتموضع منشأة فوردو. وبالتأكيد، ألحقت أضرارًا بالغة بالهياكل الهندسية، والمختبرات، والمعدات الثقيلة، وشبكات الأنابيب والتوصيلات، وحتى وحدات تخزين المواد. لكن هناك رأي (يُرجّح) أن ما وُضع بعيدًا عن القصف ونجا من التدمير  كان الأهم: اليورانيوم المخصّب، والمواد الكيميائية، وأجهزة الطرد المركزي القابلة للنقل وبرمجيات التحكّم، والبيانات الإلكترونية… تلك الأجزاء  إما أُخرجت بالكامل، أو جرى تفكيكها ونقل عناصرها الأساسية إلى مواقع آمنة، في توقيت حرج يسبق الضربة بأيام، أو ربما قبل ذلك.

 

إذا صحّ هذا السيناريو، فإن الهدف الرئيسي من الحرب، (تعطيل) البرنامج النووي بالكامل، لم يتحقّق بالحجم الذي أُعلن عنه.

فهل كان الضغط العسكري مقدّمة لإنتاج تسوية جديدة؟

ربما.. وإن تمت قد تصبح مركّزة وأقل شمولًا من اتفاق 2015، لكنها أكثر وضوحًا وحسمًا، تفضي إلى تجميد أنشطة التخصيب مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات، ومنافع مختلفة تمكن إيران أن تساوم لدرء حرب أخرى في عهد نتنياهو–ترامب.

 

حتى اللحظة هناك أسئلة عائمة، إذ لا يبدو أن الشرق الأوسط قد بات أقرب إلى تجاوز الأزمة، بل إلى إعادة التموضع. فالحرب لم تُبدّل المعادلات الكبرى، لكنها أرست قواعد يصعب تجاهلها في الوقت الحالي.

 

لقد بدت حرب الـ12 يومًا وكأنها تقدم نموذجًا أوليًّا لحروب المستقبل في الشرق الأوسط: قصيرة، كثيفة، محكومة، ومفتوحة على تفاوض في غرفٍ مجاورة. فهي لم تكن حربًا لإسقاط الخصم، بل لتقييد خياراته، ودفعه إلى الطاولة. وتبدو إيران، رغم الجراح، غير مستعدة لتبديل منهجها وعقيدتها لكنها قد تضطر إلى “تجميد البرنامج” مرحلياً لضمان بقاء النظام، وتحقيق مكاسب تفاوضية أخرى.

أما إسرائيل، وإن لم تُبدِ قدرة على الردع الكامل، فهي لن تتوقف عن محاولات استنزاف المشروع الإيراني وأذرعه في المنطقة.

فيما تحاول واشنطن – التي يثور فيها جدل واسع حول نجاح مهمة  B 2 سبيريت – إدارة ملف تفاوضي مع إيران يفضي إلى احتواء استراتيجي للبرنامج النووي، وهو ملف ينطوي، بالتأكيد، على مسائل معقّدة.

 

الشرق الأوسط يعيد التأكيد، مرةً تلو أخرى، على كونه مسرح مركّب لحروبٍ تتجاوز حدود الدول، وتخضع لإراداتٍ متشابكة، غالبًا لا تخدم مستقبل المنطقة ولا استقرارها. أما السلام، فإنه لا يُدوَّن في قلب المعركة، بل في مسارات موازية، حيث لا يرقى إلى مستوى الإغلاق التاريخي للصراعات. ولهذا، يظلّ كل توقف للحرب بمثابة فاصلة ملغومة، لا نهاية فعلية.

 

خروج نواة المشروع من فوردو — إن صحّ ذلك — مع بقاء النظام، يُعدّ مكسبًا داخليًا. أما التفاوض، المطروح إعلامياً، حول البرنامج فتراه أطرافٌ متعددة ورقة استراتيجية في لحظة حرجة. في المقابل لا يبدو أن طهران تقبل به دون ضغوط ومناورات، وقد تفعل ذلك كمساومة ضرورة لا خيار قناعة : تجميد مؤقت تُبقيه معلقًا على حبال الانتظار.. إلى حين ميسرة.

لا شيء يختتم الرواية… ولا سلام يطويها.

احمد عبد اللاه

يونيو 2025