محمد علي محمد احمد
هل للعيد طعمٌ حين يحلّ علينا في أحضان القحط والألم؟ أم للفرحة مكان في قلوبٍ أنهكها الشقاء وقطعتها يد الظلم؟
هكذا يطلّ علينا عيد الأضحى المبارك هذا العام، لا يحمل في طيّاته سوى مرارة متجددة، وهموم تتفاقم، في مشهدٍ بات يُختصر بمعاناة يوم عرفة، ليلة العيد، ويستمر ليعصف بأيام العيد وما بعدها، من سيئ إلى أسوأ.
يومٌ عظيم، صامه المسلمون البسطاء رجاءً لمغفرة الذنوب، وتكفيراً لما سلف وما هو آتٍ، متشبثين بحبل الله في زمنٍ لا حبال لهم سواه.
لكن أي ذنوب تُكفّرها حكومةٌ ورئاسةٌ لا يرتدعون عن ظلمٍ، ولا يرعون في رعيتهم إلاً ولا ذمة، فلو صاموا الدهر كله لن يوازي يوماً واحداً من عذاب جرّعوه المواطن، الذي لا يملك من أمره شيئاً سوى أن يرفع يديه لله، مظلوماً مقهوراً.
ليلة العيد، ليلة يُفترض بها أن تكون قمة الفرح والسكينة، تحولت إلى جحيم لا يطاق، انقطاعٌ للماء والكهرباء، وعرقٌ يتصبب من منبت الشعر إلى أخمص القدم، الأماكن تضيق بنا، بيوتنا تتحول إلى أفران ملتهبة، لا ماء بارد يروي ظمأنا، ولا نسمة هواء تلطف أرواحنا، ولا فرحة تنسينا همومنا، عجز عن تحقيق أبسط متطلبات أبنائنا، تلك الاحتياجات التي كانت مُيسرة قبل سنوات.
قضيتُ تلك الليلة ساهراً حتى أذان الفجر، لا لبهجة العيد، بل لعدم القدرة على النوم، فخرجتُ من مسكني المستأجر قاصداً بيت الله، وجسدي مُبلل لا بماء الوضوء الذي انقطع، بل بالعرق والنكد والهم والحسرة والتعب والإرهاق،سرتُ في الحي كأنني أسير في مدينة أشباح، ظلامٌ حالكٌ يلفّ الشوارع، صمتٌ رهيبٌ لم نعتده، فكل مرة يصبح المشهد أشد قسوة، لا أسمع سوى قرع نعليّ.
كدت أجن و انا أسأل نفسي، أين صوت خرير الماء وتسارع الناس للاغتسال والاستعداد للصلاة؟ أين أنوار الزينة التي كانت تضيء البيوت والحارات؟ أين صوت المراوح الذي كان يبعث الحياة؟ أين ضحكات الأطفال المتسابقين في الاغتسال ولبس ثياب العيد الجديدة؟ أين صوت الخراف المربوطة بجانب كل بيت؟ آه، يا له من هدوء مقلق مرعب!
وفي قمة الاستخفاف والاستعلاء السياسي والوقاحة ودون خجلٍ أو حياء، تخرج رئاستنا وحكومتنا بتهنئة المواطن بعيد الأضحى المبارك، أي عيد هذا أيها الجلادون؟ وأنتم تتبخترون بين أظهرنا بمظهر جميل وملابس فاخرة وسيارات فارهة، لو جُمعت قيمتها ووُزعت على مواطني هذا البلد، لكفتهم وأغنتهم عن ذلّ السؤال!
وما يزيد الطين بلة وجود ما يسمى بـرئيس المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة هنا في العاصمة عدن، فالأول جاء لاستقبال جموع المهنئين في استخفاف واستهتار بمعاناة المواطن، ورسالة سياسية فيها كبر واستعلاء موجهة لبعض المكونات التي راهن عليها الشعب بأنها المخلّص لهم من هذا الشر والبلاء.
أما الآخر، فقد جاء بضغط من الأول لتحقيق أهدافه المذكورة، بالرغم من رفضه العودة دون أن يكون بيده ما يلمسه بأنه سيحقق ولو جزءاً بسيطاً من رفع المعاناة.
المواطن، بدوره، في انتظار المفاجأة من رئيس الحكومة الذي يراد له أن يكون كبش فداء كسابقه، أما سابق سابقه، فقد كان لاعباً وإن لم يكن محترفاً، لكنه كان مسنوداً من الحلفاء، واستطاع أن يكسب كافة الأطراف لصفه بمدد ودهاء وكل هذا على حساب وجع المواطن المستمرة صباح مساء.
ماذا أقول بعد؟ والمرارة تعصرني، والألم يقتلني، والحسرة تمنع عني فرحتي، وهذا هو حال كل مواطن محكوم بعصابة لا ترعى مصالح رعيتها، ولا تقوم بأدنى مسؤولياتها، ولا تخشى يوماً تقف فيه أمام بارئها، فصبراً أيها الوطن المغدور و المواطن المكلوم، فبعد كل عسرٍ يسر، وبعد كل ظلمٍ عدل، ولو بعد حين.