*- شبوة برس - اللواء سعيد الحريري
عيد الأضحى، مناسبة للتكافل والتراحم، وذكرى لتجسيد معنى الفداء في أنقى صوره، لكنه في اليمن بات موسماً تتجدد فيه جراح الفقراء، وتنكشف فيه الهوة السحيقة بين شعبٍ يرزح تحت وطأة الجوع، وطبقة من أمراء الحرب الذين حوّلوا المعاناة إلى موردٍ للثراء، والحرب إلى تجارةٍ راجحة.
بينما تستعد الشعوب للاحتفال، وتحمل الأطفال أحلامهم الصغيرة بثياب جديدة وقطعة حلوى، يستقبل ملايين اليمنيين العيد وهم عاجزون حتى عن شراء الخبز. في القرى والمدن، في المخيمات وأطراف المدن، لم يعد العيد سوى ذكرى مؤلمة، ومناسبة ليتذكّر الناس كيف خذلتهم قيادات ادّعت تمثيلهم، ثم أدارت ظهرها لهم.
أمراء الحرب في اليمن اليوم لا يعرفون من العيد سوى بيانات التهنئة، ونشرات المجاملة، وربما صورًا أمام أضاحي فاخرة وأطباق عامرة في عواصم الاغتراب. لم يعودوا يرون المواطن الذي انقطعت راتبه منذ سنوات، ولم يسمعوا صوته وهو يشكو انقطاع الكهرباء، وانعدام الماء، وغلاء الدواء.
في كل طرف من أطراف الصراع، نشأت طبقة جديدة من المتخمين، ازدهرت أعمالهم، وتوسعت استثماراتهم، وتكدست أرصدتهم، بينما كانت البلد تُنهب، والناس تُهان. تحوّلت الحرب إلى وسيلة للنفوذ، لا إلى وسيلة لإنقاذ وطن. باتت المعاناة وقودًا لإطالة عمر الأزمة، لا دافعًا للحل.
ومع كل عيد، يُعاد المشهد ذاته: مسؤولون يُلقون خطبًا عن الصمود والكرامة، وشعبٌ لا يجد ما يسدّ به رمق أطفاله. ووسط هذا التناقض الفاضح، يغيب الضمير، وتغيب الدولة، ويغيب السؤال الأهم: من يمثل هذا الشعب حقًا؟ ومن يجرؤ على رفع صوته في وجه طغيان الاستغلال باسم الوطن؟
قد لا يذبح المواطن اليمني أضحية هذا العيد، لكنه بالتأكيد سيذبح وهم الانتظار. سينظر إلى أولاده في عيونهم الجائعة، ويقسم في قلبه أن الكرامة لن تظل حبيسة قصور أمراء الحرب. قد يتأخر الخلاص، لكنه قادم، لأنه لا يمكن أن يستمر وطنٌ يحكمه من يتاجر بدماء أبنائه.
عيد الأضحى في اليمن بات عنوانًا للخذلان.. لكنه أيضًا، في قلب كل يمني حر، مناسبة لتجديد العهد مع الكرامة.
وكل عام وأنتم بخير، وإن كان في القلب ألف وجع.