إذا حاولنا وصف ما يحدث في حضرموت.. لقلنا ان الاحداث قد فاقت التصور.. فقد حمل عام 2025 م سمات خطيرة مما يجعلنا نتوقع أحداثا كبيرة.
صحيح أننا قد تعودنا منذ عام 1994م كما لو كانت تحدث فجأة وتقع غصبا عنا، تأتي تهددنا وتزعزع مكانتنا دون ان نتوقع منها ان تأتي لتعلي من مكانتنا أو الى نضجنا أو تزيد من حصانتنا.
لا شك أنها نظرة سلبية تؤكد عجزنا عن المشاركة في صنع التاريخ والبقاء في موضع المتفرجين دون مواقع اللاعبين، فقد تميزت التطورات الى الخطورة والأهمية، لكنه لم يكن تأثيره السلبي مقتصر على حضرموت وحدها بل سيمتد الى بقية المحافظات عاجلا أم آجلا.
أصبحت منطقتنا اليوم تواجه التجاذبات الاقتصادية والسياسات الدولية وأصبحنا ضمن مشروع على الأرض، وآثارها واضحة على النشاط البشري من خلال التحولات والتغيرات والتركيبات والتفكيك بين آن وآخر، وبين طالع ونازل، لعل اكبر الآثار التي نواجهها هي آثار العولمة من خلال المنظومة المعلوماتيّة وهو ما أدت الى تحولات فكرية وتداخلات ثقافية أدت الى تشويش الهويات وتشابك الذهنيات الى درجة غير مسبوقة.. أصبحنا نتقن السب والشتم ونلقي الاتهامات من غير دليل ونعبد شيخ القبيلة ومخالفته خروج عن الدين.. همنا طاعته ولا يهمنا وطن وتماسكه، ومن عرانا بالامس وكفرنا صديق اليوم؛ ومن ساندنا بالشدة عدو الحاضر... مفارقات تفرح العدو ويفتخر بانجازاته التي فرقت ولا جمعت. كل شئ تغير.. مس التاريخ والجغرافيا كما مس الاحساس بالزمان والمكان. فمن الطبيعي اذن ان هذه التحولات قد أثرت على جميع مناحي النشاط والذهن والوعي، نحن اليوم أمام هموم وانشغالات على فهم جديد أو من طراز جديد كالقبيلة السياسية والتميز الجديد والتفرد عن بقية البشر.
من المؤسف ان نرى اليوم في حضرموت أطروحات لاصطناع الاتهامات والمجادلات او المناظرات وفجاجة الخطاب الخالية من الاحترام لتحقيق نصر وهمي قائم على المنازعات والاستفزاز لتأجيج الصراعات لأجل مصالح شخصية وسلطوية ضيقة.. أنها شطحات والشطحات كما يقال عنها، زلازل يصعب التنبؤ بها، مما تجعل حضرموت في مفترق الطرق يتجاذبها جهلاء القوم من بني جلدتنا المحسوبين..
تخلف وجهل وتعصب هي الأزمة نفسها ولا حل لها الا بالتعليم والتنمية والتسامح في مناخ حر، فهذا هو الدرس الذي تعلمناه عبر المعاناة الطويلة.. فلا تنمية في وجود التخلف ولا تعليم في وجود الجهل ولا تسامح في وجود التعصب ولا حرية في وجود التسلط ويبقى الخيار بين الابيض والاسود.. وعلينا ان نسأل أنفسنا: هل قراراتي كانت صائبة؟ هل كان معظمها صائبا؟ هل كان بعضها صائبا؟ هل أستطيع أن أقرر أني كنت جزءا من الحل ولم أكن جزءا من الأزمة؟ من يضمن لي أني لم أكن..
هل وصلت حضرموت الى درجة الفصام؟! ربما.. لان الفصام يأتي من درجة الحساسية، فنجد من لديه الحساسية السياسية، يخاف من إغضاب أهل الحول والطول ومنهم من فيه الحساسية الدينية فتجده يخاف من غضب الوعاظ والمفتين وهناك من هو مصاب بالحساسية الاجتماعية وهؤلاء كثير في أيامنا يخافون من الاعتبارات العشائرية أو الأسرية أو الشخصيّة وما أكثر الحساسيات وما يقبصك إلا قمل ثوبك، هذا يعني أن حضرموت تحولت على درجات متفاوتة تظهر من الآراء ما لا تبطن.. وفيما يزداد الخلاف يزداد الحصار السياسي والاقتصادي والفكري على الشعب الغلبان وتفشل حكومة الشرعية في اكتشاف الطريق الصحيح وتصبح حضرموت أشبه بالفريسة التي أصيبت بالشلل والجمود امام وحش يتقدم حثيثا لإلتهامها.
أمام هذه التحولات على الجنوب أن يحسم خياراته المصيرية بعد أن بانت معالم الطريق وأنقشع الضباب وظهرت الأهداف جلية واضحة لانقاذ وطن وهوية وشعب تتجاذبه الامواج من حساسيات وبائية.