عادة مع كل ذكرى تحل من وصول الإنقلابين الحوثيّن إلى عدن، وإعلان الملك سلمان ملك المملكة العربية السعودية عن اطلاق عاصفة الحزم وتشكيل تحالف عربي نصرة لاستعادة الشرعية اليمنية منهم، صار كتابة مقال لدي أشبه ما يكون بالعرف السنوي الذي لا أغفل عنه إلا ما ندر، سوى أنّه في السنوات الأخيرة تعكّر المزاج لدي كثيرًا وما عدت أشتهي التعرّض لها لا من قريب ولا من بعيد، والسبب يعود جلّه لبقاء الوضع يراوح مكانه ولم يطرى عليه متغيّرًا يمنحي الأمل ويدفعني للتفاعل مع المناسبة بالشكل الذي يمكنني من خلق أفكار جديدة حولها.
وفي هذه المرة كان من الواجب والممكن تذكار قلمي بالحدث لولا أن شهر رمضان المبارك الذي يكبح فينا جانب كبير من نظام التشغيل الذاتي ليأخذنا إلى آفاق روحانية تنسينا هموم وأعباء الدنيا حال بيني وبينها، لأجد نفسي ومن بعد عشرين يومٌا تقريبًا أكتب بأثرٍ رجعي، متحررًا من العقدة التي رافقتني لسنوات، وذلك لبروز تطوّرًا مفاجأ في غاية من الأهمية، وبهبوب في نفس الميعاد والموسم عاصفة حزم ثانية ذات رياح عاتية بطلها هذه المرة الملك اترامب.
فللمقارنة بينها والعاصفة الأولى نسبة لمقياس الحوثين فكلا العاصفتين تبدوان من حيث الهدف تتقاطع وتكمّلان لبعضهما البعض، إلّا أن الثانية تزيد في شعارها على الأولى بلفظة قدرات، ليصبح عندنا "القضاء على قدرات الحوثيّن بدلًا من القضاء على الحوثيّن، بما يفهم في سياق ظاهر العبارة من غير باطنها، شل قدرات الجماعة وتكبيدها خسائر إلى المستوى الذي يجعلها شبه مهيضة لا تقوى الطيران بعيدًا عن أماكن تحركاتها المسموح بها لتشن هجمات ضد الملاحة الدولية في البحرين الأحمر والعربي.
وبالرغم من ضيق الأفق المعلن لتلك العاصفة ومحدوديتها، غير أنّ الملاحظ عنها من بدايتها الأولى عكس السابقة فضرباتها مركّزة ودقيقة وتأثيراتها يومٌ عن يوم تتسع ومداها يتصعّد ويشمل مختلف الجوانب العسكرية والمعنوية والوجستية للجماعة، بما لو أستمرت بنفس الوتيرة من المؤكّد ستنعكس سلبًا على تماسك الجبهة الداخلية للجماعة نفسها بما يجبرها إتقاءً نهاية حتمية ستواجهها، على طلب إعادة تفعيل مبادرات السلام التي قدمتها الأسرة الدولية بما فيها مبادرة المملكة العربية السعودية وقد اقتربت بوساطة عمانية من تحقيقها لولا أن حرب غزة هي من أرجتها عنها.
وعليه إذا صدقت النوايا لدى قيادات الشرعية السياسية، وجيوشها المرابطة بين محور كتاف إلى صحن الجن مرورًا بتعز إلى المخاء وصولًا لمبيدي الانتصار لمشروعية ثورة ٢٦سبتمبر كاملة غير منقوصة، بإمكانها اختطاف الفرصة فالأمور من الواضح ستصبح في غضون الأيام والأسابيع القليلة القادمة من الحملة مهيأة أمامها تهيئة كاملة، للتقدّم والوصول إلى صنعاء، وإلّا بعدها لو مرّت هذه الفترة لن يحدث تحرير بالمطلق وستتحول الجماعة الحوثية إلى شريك سياسي معترف به دوليّا ولاعب رئيسي في صياغة مستقبل البلاد.
ليصبح تقاعس تلك الشرعية ودس رأسها في الرمل مردود عليها، ولعنة تلاحقها إلى الأبد، وليدرك القاصي والداني حينها مدى كذب وزيف إدعاءاتها، وسيتأكد للجميع بأنّها منذ قامت وهي شرعية بلا مشروعية، وما سوى وسيلة مؤجرة لتمرير لعبة ومؤامرة خبيثة موجّهة على اليمن جنوبًا وشمالًا، وتعمل ٢٠١٥م على اكتساب مزيد من الوقت في سبيل تنفيذها مناصفة وبالتساوي بينها والحوثيين.