وضع لا يمكن احتماله

2025-01-27 08:39

 

تبدلت حياتنا بصورة غير مسبوقة، لا مجال للحديث عن إمكانية الاحتمال، لقد أحدث الوضع المعيشي خللًا عميقًا في نفوسنا وألقى بمستقبل الأجيال في مهاوي الردى، حال لا يمكن مواجهته بمزيد من الوعود والتصريحات السياسية.

 

لقد باتت الحياة في الجنوب غاية في السوء يتعذر معها على المواطن تدبير وجبة واحدة في اليوم، ولا مجال للحديث عن تأمين خدمات صحية، فالناس تموت جوعًا ومرضًا ولا يوجد في الأفق ما يشير إلى حلول.

 

تعويم العملة ماضٍ وبقوة وكل لحظة تزداد الأسعار، والرواتب تتقلص بصورة مذهلة لم تعد تكفي لإسكات جوع رضيع واحد، كل الحلول لا تعدو كونها وهمًا وكل معالجات الفساد نمط آخر من الخداع، فمن الذي يجيب على أسئلة الناس وحيرتهم؟ لا أحد قطعا.

 

فهل تستمر الشراكة في تحمل الوزر إلى ما لا نهاية؟!، هل بند معيشة السكان في صدارة أولويات الانتقالي وبدونها لا يمكن استمرار الشراكة؟ أم أننا أمام متاهات كثيرة أبرزها محاربة الفساد الذي هو قطعًا لا يحارب وفق كافة المعطيات؛ ربما لأن أطيافه المتنوعة تجعله في مأمن عن المحاسبة؟

 

ومن أين يتم البدء في تلك الدوامة العنيفة التي ابتلعت وتبتلع مقدرات مجتمع باسره؟ هل من عند فوهات آبار النفط المستباحة، تلك الثروة التي تهدر على نحو ما يجري وما يصلنا منها هي مستويات زيادات سعرية شكلت شللًا في حياتيا وزادة في تعميق الأزمة المعيشية.

 

دعونا من صراع الجهابذة عند منابع النفط فتلك خصوصية محضة لا شأن لنا بها، ما يعنينا في هذه الأثناء هو الجوع الناتج الطبيعي لفشل الإدارة وفشل الرؤى السياسية والتوافقات الهشة في تقديم أدنى الحلول.

 

لقد أصاب الخلل كل مفاصل الحياة ونفد الصبر ومات الأمل؛ بل أحدث واقع الحال المزري صدمة نفسية اجتماعية يصعب تجاوزها، مجتمع بأسره يعيش تحت وطأة عقوبات خدمية حولت حياتنا إلى جحيم، مدن الظلام لم يعد بمقدور سكانها ممارسة أي أنشطة حياتية كانت.

 

لا أتحدث عن عدن وحدها كمدينة سلبت منها كل معاني الحياة الحضرية سلب تاريخها كعاصمة حصرية من بين أبرز مدن المنطقة وأعرقها فالحال شمل الجنوب كل الجنوب المحرر للأسف، فقبل الحديث عن استعادة الدولة ينبغي إطعام الأفواه الجائعة والتمسك بمبدأ الحل من تلك الزاوية واستمرار الشراكة من مبدأ رفع كل ذلك الجور والعبث الذي يمارس عنوة بحق سكانه.

 

لا نيات طيبة مطلقًا مع استمرار الإذلال على نحو ما يجري، معيشة الناس هي ركيزة يستمر معها أي أداء سياسي باتجاه المستقبل دون ذلك مستحيل استمرار الأداء بنفس الطريقة التي ولدت كل هذه المساوئ والفوضى الحياتية العارمة.

 

من هنا يبدأ القياس ومن هنا يمكنكم الالتفات لما يجري في حقول النفط، فما نخشاه استمرار المجاعات جنوبًا وتجاهل الوضع تمامًا؛ لأن الأولويات تقتضي درء الأنظار عن كل ما يجري في نطاق مجاعة عارمة تلقي حسابات الأطراف التي تتمسك بحق عودة الجنوب، وتجعلها في وضع لا يحسد عليه طالما قبلت بذلك.

 

الحرب على الجنوب مستمرة لاشك، وحدتها استهدفت قلب حياة السكان ومعيشتهم.