السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح أمام كل من يحاول التعرض للحالة السياسية الراهنة على أرض الجنوب هو: ماذا جنى الجنوبيون من الشراكة (الجنوبية-الشمالية) بين المجلس الانتقالي الجنوبي وبين حكومة الشرعية اليمنية، التي تمثلها الأحزاب الشمالية الشريكة في حرب 1994م على الجنوب، (حزبا الإصلاح والمؤتمر وما تفرع عنهما من تفريخات ومسميات) حظها اليوم في السلطة على الجنوب أكثر من أية قوة سياسية جنوبية قديمة أو حديثة.
في حديث لي على إحدى المساحات على منصة إكس (X) (تويتر سابقا) قلت للزملاء المشاركين: إن التحالفات أو الشراكات في السياسة والعلاقات السياسية على صعيد البلد أو الجوار الإقليمي أو حتى على الصعيد الدولي، أمرٌ مقبولٌ وأحياناً ضروريٌ وملحٌّ، لكن لا توجد شراكة بلا ضوابط وبلا قواعد تحكم قضايا المشاركات وأسهم كل طرف في هذه الشراكة وحجم النفقات والفوائد في هذه الشراكة؟
إن أهم ضوابط وقواعد الشراكات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى التجارية وشراكة المصالح الصغيرةـ أهم ضوابط هذه الشراكات يكمن في أن تُبنَى على الأساس التالي: ما نصيبي في الأسهم والمدفوعات، وما حصتي من العوايد والأرباح؟
يعلم الجميع أن سلطة الشراكة القائمة اليوم بين الشرعية الشمالية والمجلس الانتقالي الجنوبي هي شراكة في إدارة الجنوب، بأرضه وموارده وثرواته ومواطنيه، وأن سلطة هذه الشراكة على محافظات الشمال هي أقرب إلى الصفر، وإن كان بعض أعضاء مجلس الرئاسة يتمتعون بنفوذهم الخاص في بعض المديريات التي تمثل بالنسبة لهم جمهوريات خاصة مصغرة خارج سلطة مجلس الشراكة الرئاسي.
في ضوء هذا نعود إلى السؤال المحوري:
ماذا سيحصد الجنوب من هذه الشراكة مقابل مساهمته في تسخير الأرض والثروة والموارد البشرية، والشعب الخاضع لسلطة هذه الشراكة، فضلاً عن دماء عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى الجنوبيين الذين سقطوا في معركة تحرير الأرض والإنسان الذين يتسلط عليهما مجلس الشراكة وحكومته ؟ وبالمقابل ماذا قدم الشريك الشمالي في هذه الشراكة ليستحوذ على معظم مواقع صناعة القرار في الحكومة والرئاسة والبرلمان، وفي الدولة العميقة التي قدمت بقضها وقضيضها من صنعاء إلى عدن لتنقل السلطة الفعلية الشمالية الموروثة منذ ما قبل أربعة عقود؟ وهل من المصادفة أن تمارس سلطة الشركاء أبشع أنواع العذابات والحروب الرسمية غير المعلنة ضد الشعب الجنوبي، من حرب الخدمات والتجويع وسياسات الإفقار والتدمير الممنهج لكل ما بناه الجنوبيون طوال ربع قرن من عمر جمهوريتهم السابقة؟؟
أحد الزملاء الظرفاء من الساسة الشماليين قال لي مداعباً، وربما جاداً:
- حتى متى وأنتم تعاملوننا بجحود ونكران جميل أنتم الجنوبيون؟
وعندما سألته ماذا تعني؟ رد:
- لقد أعطيناكم أفضل كوادرنا ليديروا لكم الجنوب! ثم يواصل:
- أعطيناكم رئيس مجلس الرئاسة، وأعطيناكم أكثر من إثنا عشر وزيرا من خيرة الكفاءات، وأعطيناكم أكثر من ثلاثمائة نائب وزير ووكيل وزارة، وأعطيناكم رئيس مجلس النواب ومعه أكثر من مائة وعشرين عضو برلماني، وأعطيناكم أكثر من مليون موظف كبير ومتوسط وصغير في الداخل والخارج، وأعطيناكم كل السفراء ومساعديهم والقناصلة والملحقين الديبلوماسيين وكل هؤلاء في خدمة أرضكم لأنك تعلم أن أرضنا هي مع الحوثي!
وبغض النظر عما إذا كان زميلي مازحاًً أم جاداً في ما استعرضه، فإن تلك هي الحقيقة أي أن الجنوب يشارك بالأرض والثروة والحاضنة الجماهيرية والشمال يشارك بالموظفين وقيادة وإدارة تلك الأرض وتلك الثروة وتلك الجماهير ويتحكم فيها كما تشاء قياداته، فأرض الشمال وجماهيره ومصادر ثرواته هي تحت حكم الجماعة الحوثية.
وباختصار شديد:
لقد سلم الأشقاء الشرعيون الشماليون أرضهم وثرواتهم وشعبهم لشقيقهم الحوثي، ثم رحلوا إلى الجنوب لا ليلجأوا إليه كنازحين يبحثون عن الأمان والعيش بسلام، بل ليتحكموا على رقاب أبنائه ومصائرهم ومصادر رزقهم، وهذه هي الشراكة التي يتغنون بها ويصرون على إنها أفضل ما أنتجه علما السياسة والإدارة؟
ولننتقل إلى السؤال العملي: ما التغيير الذي أحدثته هذه الشراكة في حياة المواطن الجنوبي في الأرياف والمدن.
ببساطة شديدة يمكن القول أن التغيير الذي عاشه ويعيشه المواطن الجنوبي هو أقل من الصفر بكثير، أي أنه يذهب باتجاه السالب، وفقاً لعلمي الرياضيات والمحاسبة، فالخدمات الرديئة الصحية والتعليمية والبلدية والحقوقية، من مرتبات ومستحقات كمادية، وخدمات الكهربا ومياه الشرب ووفرة الوقود وغيرها تلك التي كانت قفوق الصفر بقليل قبل مجيء مجلس القيادة الرئاسي، أصبحت اليوم مادون الصفر بل وتحطم بعضها وصار يشكل عبئا على حياة المواطن المعدوم الدخل.
لا يقع العتاب على الشركاء الشماليين فهم طوال ربع قرن ظلوا ينظرون إلى الجنوبيين على إنهم قطَّاع طرق وخونة وانفصاليون وعملاء، وبالتالي فإن هذه النظرة هي المنطلق لتعاملهم الراهن مع الشعب الجنوبي، حتى وإن كفوا عن الإجهار بها في خطابهم وإعلامهم الرسميين، لكن السؤال يتحمل الإجابة عليه شركاؤهم الجنوبيون، وفحواه: هل أنتم أيها الإخوة الأعزاء راضون عن مستوى أدائكم كشركاء مع سلطة الشرعية ومقتنعون بما تقدمونه للشعب الجنوبي؟ وهل أنتم سعداء بوضعكم الراهن وبعلاقتكم مع جماهيركم التي فوضتكم لتمثيلها في النضال من أجل استعادة الدولة الجنوبية وها هي تنتظر منكم زيادة في ساعات توفير الكهرباء والخدمات الرئيسية لاستبقائها على قيد الحياة، فقد تحتاجون لهذه الجماهير ذات يوم، ولن يكون عام 2015م هو آخر صلتكم بهذه الجماهير.
ختاماً:
نصيحة مجانية للزملاء في قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي وبالذات للمشاركين في هيئات صناعة القرار:
الأرض أرضكم، والشعب شعبكم، والثروات ثروات شعبكم، فلماذا لا تديرونها بأنفسكم، لتبرهنوا أنكم أكثر قربا من أهلكم وخاضناتكم الاجتماعية وأكثر حرصاً على تمثل مصالحها ومعالجة معاناتها، وأنتم أهلاً لهذا؟
ولماذا لا بد أن يتحكم في أرضكم وأهلكم وثرواتكم الهاربون من ديارهم الذين عجزوا عن حماية أرضهم وجمهوريتهم وحتى قراهم، فجاؤوا ليستعيروا منكم الأرض والموارد والشعب الذي يتحكمون في حياته، بدلاً من تحرير أرضهم من أيدي أعدائهم المفترضين؟
والنصيحة الثانية: إن تكرار الأكذوبة التي تقول بأن حل القضية الجنوبية سيتم بعد تحرير صنعاء وهزيمة الانقلابيين الحوثيين، إنما هو استغباء للشعب الجنوبي وضحك على دقون مواطنيه، لأن تحرير صنعاء لن يتم، فلو كانوا قادرين على تحريرها لما تخلوا عنها أصلاً وقد كانت تحت سلطتهم وبين أيديهم، أما إذا توافقوا مع حكام صنعاء على أي حل فاقنعوا من الجنوب وأرضه وثرواته، كما تقنع أم الشهيد من مقابلة ابنها قبل يوم القيامة.
لسنا ضد وجود أشقائنا الشماليين في عدن أو في أي بقعة جنوبية، رغم معاناتنا مع الكثير منهم في لحظات الغدر والخديعة، لكن وجودهم يجب أن يحمل عنوانه الحقيقي، كنازحين سياسيين ليس إلَّا أو حتى كشركاء في المرتبة الثانية أو الثالثة، لا كمتحكمين في مصائر أهل البلد وثرواتها وصناعة مستقبل أجيالها، ليكون الشريك الجنوبي مجرد ضيف لديهم على أرضه وفي دياره وبين أهله.
والله من وراء القصد.