في خضم الأزمات السياسية المعقدة في ساحة اليمن والجنوب العربي وكذلك التي تشهدها المنطقة، يجد المجلس الانتقالي الجنوبي نفسه أمام مفترق طرق، حيث تتزاحم التحديات المحلية والإقليمية والدولية، وتتصاعد التساؤلات حول الخيارات المتاحة أمامه للخروج من الجمود الذي اصبح عليه الحال لتحقيق أهداف شعب الجنوب في الاستقلال، فما بين العودة إلى القاعدة الشعبية الجنوبية والسير معها بخطوات حاسمة على طريق الاستقلال أو الاستمرار في تحالف أصبح مشكوكًا في جدواه مع ما تبقى من شرعية يمنية متآمرة، تبدو خيارات المجلس حاسمة لرسم ملامح مستقبله السياسي ومستقبل شعب الجنوب.
الخيار الأول: العودة إلى القاعدة الشعبية الجنوبية.
يمثل هذا الخيار الملاذ الأكثر أمانًا للمجلس الانتقالي الجنوبي، حيث يمكنه استعادة زخمه الشعبي وتعزيز شرعيته من خلال التركيز على توحيد الصف الجنوبي، هذا المسار يتطلب حوارات جادة مع مختلف القوى الجنوبية لتقوية الجبهة الداخلية، وضمان تحقيق توافق على الهدف المشترك المتمثل في الاستقلال.
ومع ذلك، فإن اتخاذ هذا الخيار قد يؤدي إلى زيادة التوتر مع الشرعية اليمنية وحلفائها وكذا مع بعض القوى الإقليمية والدولية التي ترى أن ذلك يعيق مواجهة الحوثي، وقوى أخرى تسعى إلى تقويض جهود الاستقلال، ورغم ذلك، فإن الالتفاف الشعبي حول المجلس الانتقالي سيجعل من الصعب على أي قوة يمنية أو خارجية تجاوز إرادة الجنوبيين.
الخيار الثاني: الاستمرار في التحالف مع الشرعية اليمنية.
أي البقاء في إطار التحالف مع الشرعية اليمنية، المتمثلة في رئاسة العليمي و حكومة بن مبارك وحزب الإصلاح، لكن هذا التحالف يبدو محفوفًا بالمخاطر، حيث يُنظر إليه من قبل الجنوبيين كتنازل عن أهداف الاستقلال، ويمكن أن يؤدي هذا الخيار إلى فقدان المجلس لدعمه الشعبي، خاصة إذا استمرت الشرعية في تنفيذ سياسات تنال من الحقوق الوطنية للجنوبيين وكذلك محاولات تقزيم دور المجلس الانتقالي، لذلك، فإن الاستمرار في هذا التحالف دون وضع ضوابط واضحة وبرنامج زمني لتحقيق أهداف الجنوبيين قد يكون مدمراً لطموحات الاستقلال.
أما مقولة الاعتراف الدولي من خلال الشرعية فهي مزحة يتسلى بها البعض، لم تنعدم الفرص التي يمكن و يجب استغلالها في سياق الجهود الدبلوماسية لتحقيق ذلك الاعتراف بحقوق شعب الجنوب الوطنية، يرى المراقبون أن السعي للحصول على اعتراف دولي بشرعية المجلس الانتقالي كممثل لشعب الجنوب قد قطع خطوات كبيرة ولا زال يتطلب مزيدًا من العمل على بناء علاقات قوية مع المجتمع الدولي والدول الفاعلة في المنطقة، فضلاً عن استغلال المنظمات الدولية والسعي دون كلل من اجل دعم حق الجنوبيين في استقلالهم وبناء دولتهم.
مما لا شك فيه أن الموازنة بين الضغوط والطموحات أمر ليس بالعمل اليسير ويحتاج إلى جهود الجميع، مع إدراكنا أن المجلس الانتقالي الجنوبي يسير على حبل مشدود في ظل توازنات إقليمية ودولية معقدة، ومع ذلك، لابد أن يضع المجلس في كل خطوة يخطوها مصالح الجنوبيين في المقام الأول نصب عينيه، والاستفادة من حالة الأوضاع الاقليمية وإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة، يمكن أن تشكل فرصة ذهبية لتعزيز موقف الجنوب على الساحة الدولية.
في الأخير، يمكن القول إن الخيارات أمام المجلس الانتقالي الجنوبي محدودة ولكنها ليست مستحيلة أو معدومة، ما بين تعزيز الوحدة الجنوبية وتعزيز الاعتراف الدولي، وبين مواجهة الشرعية اليمنية أو التحالف معها، يجب على المجلس أن يزن قراراته بعناية شديدة، لأن البقاء في منطقة رمادية ليس خيارًا صائبًا، بل حتمية اتخاذ قرارات جريئة ومدروسة هي السبيل الوحيد لتحقيق تطلعات شعب الجنوب في الاستقلال.
*- نقلا عن صحيفة الأيام