شعره في إبط الشيطان!!؟

2024-09-10 03:29

 

لا ينتهي الجدل حول العلاقة بين المسرح والموسيقى، فليس هناك لون أفضل من لون، فكم مرة وصفنا مشهداً مسرحياً بأنه لوحة فنية رائعة ومحتشد بالإيقاعات والموسيقى، وكم مرة وصفنا قطعة موسيقية بأنها لوحة رائعة، يمسرح النغم فيها مشاهد ومشاعر وعلاقات، إن العلاقة بين الموسيقى والمسرح هي علاقة بُنية ونظام، حيث تتداخل أمشاجها وتتمازج أوشاجها، مشكّلة لوحة الحياة كأحسن ما تكون لوحة.

 

ولعلَّ المقولة الشائعة القائلة "أعطني خبزًا ومسرحًا أعطيك شعبًا مثقفا" لم تأتِ من فراغ، بل تجسد بوضوح الأثر التنموي للمسرح وأهميته منذ القدم للمجتمعات، كأحد منابر الأدب والثقافة، وبما إنّ الأدب التمثيلي هو أكثر الآداب حاجة إلى الرعاية، فقد كان من الطبيعي أن يؤثر الإرهاب على المسرح بشكل مباشر وغير مباشر.

 

 كيف لا والمسرح هو المرآة العاكسة والمتنفس الحقيقي لطبيعة المجتمع، وبالتالي سيكون تأثره واضحاً وضوح الشمس، وبات من الضروري الكتابة في هذا الموضوع، ليعرف المتابع العلاقة بين المسرح والإرهاب من جهة، وأثرها في مسيرة فن المسرح بشكل عام.

 

ومع ذلك قد يتساءل عزيزي القارئ عن علاقة العنوان وربطه بالموضوع، وما هي هذه الشعره الموجودة في إبط الشيطان؟! إذ أن الإرهاب لا يتجاوز كونه شعرة نمت في إحدى أكثر المناطق رطوبة من ذلك الجسد الشيطاني، وهي الإبط، فإذا اعتمدنا على الأسلوب الأمني فقط لمكافحة الإرهاب، فإن هذه المشكلة تعتبر تكتيكًا وليس استراتيجية، كمن يقطع هذه الشعره بموس! فكما هو معروف، فإن استخدام الأمواس في إزالة شعر الإبط يسبب زيادة كثافة الشعر ونمو شعرات أكثر، وهذا ما يحدث في محاربتنا للإرهاب، إذا لم نستخدم أساليب فنية في إزالة هذا الشعر، مثل نتفه من جذوره، وهو ما نحتاجه اليوم من خلال الفن والمسرح.

 

مسرح #حضرموت ودوره الريادي

مارسَ المسرح الحضرمي دوراً مؤثراً في الساحة الاجتماعية منذ الثلاثينات، حيث كانت البداية للمسرح المدرسي. ثم عرضت المسرحية الشهيرة "حرب البسوس" في المسرح الثقافي، وفي الأربعينيات، ظهر المسرح في حضرموت، حيث كانت تتبنى هذه المسرحيات الأندية الرياضية، وتستضيف الفنانين الكبار، وتقوم بأمسيات شعرية، من خلال هذا الفن، شُكّلت عدد من نقابات العمل التي أسست فرق مسرحية وشعبية وفنية.

 

مسارحنا أسيرة وفنانوها في غرفة الإنعاش

غاب المسرح الحضرمي عن الأنظار بعد أن كان متصدراً للمشهد منذ الثلاثينات، وعدم تقديم أي نشاط منذ سنوات يطرح أكثر من تساؤل، المسرح الذي يدعو إلى الفضيلة، كان وما يزال يشكل الوجه الحقيقي للمجتمعات الحضارية، لما يمثله من انعكاس صادق لمفردات الحياة، وكونه يسلّط الضوء على جميع المشكلات الإنسانية التي يمر بها المجتمع، باتت أهميته راسخة وثابتة عبر العصور، حتى في زمن القرون الوسطى الذي حارب المسرح، ليعود لاحقاً لاستقطابه كوسيلة لنشر الثقافة والمعرفة.

 

المسرح والإرهاب

لا يخفى على أحد ما يدور في أوساط مجتمعنا، من الأوصياء الذين يخرجون من كهوفهم ليبثوا سمومهم في عقول أبنائنا، فقد حولوا مدينة المكلا إلى مجلس مأتم كبير، منعوا فيه الأغاني والموسيقى وحفلات الزواج، وأجبروا السكان على حضور مناسباتهم، وتلقينهم أناشيدهم الداعية للموت والرافضة لحب الحياة، فمنذ تحرير المدينة من قبضة تنظيم القاعدة، شهدت حراكاً أمنياً هاماً، ولكن من وجهة نظري أؤكد بأن الجانب العسكري في مواجهة الإرهاب ليس كافياً، ولا شك أن الجانب العسكري سيظل مطلوباً ما دام هناك من يحمل السلاح في مواجهة المجتمع.

 

إن الفنون تمثل سلاحاً فعّالاً في مواجهة الفكر المتطرف، لكن لمن يفهم أهميتها ويقدر دورها في المجتمع. نبذ الفكر المتطرف لا يعني محاربة الدين، بل يعني التعايش مع أسلوب الحياة المدنية الحضارية.

 

فرق كوميدية برزت بجهود ذاتية

في هذه الفترة، ظهرت بعض الفرق المسرحية، مثل فرقة البندر للمسرح، وفرقة الزاهر الكوميدية بمديرية غيل باوزير، وفرقة نجوم حضرموت للمسرح الكوميدي و الرقص الشعبي، وفرقة الخلافة للتراث الشعبي، التي قدمت منولوجات ساخرة تعبر عن نقد الواقع المرير بأسلوب فكاهي. ورغم التحديات، أصروا على المضي قدماً في سبيل إثراء الواقع الاجتماعي وإزالة الغبن عن قلوبهم.

 

إلى جانب فرقة الفقيد برمة للمسرح الكوميدي التي تعد من أقدم وأعرق الفرق المسرحية في الساحة الحضرمية، حيث مضى عليها أكثر من 50 عاماً من التأسيس، ولازالت فرقة الفقيد تشق طريقها بالمحافظة.

 

ختاماً إن المسرح الحضرمي اليوم أصبح ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى، وعلى مكتب الثقافة والسلطة المحلية أن تفعل المسرح ليكون أداة لبناء الوعي العام، ليس فقط للمتعة والإضحاك، بل ليكون منبراً للأفكار الراقية والمبادئ الإنسانية.

#الاجهزه_الامنيه_الجنوبيه_فخرنا

#حضرموت 

#كلنا_معك

#البصمة_الثالثة

*- علي أحمد الجفري