كان الأتراك الى عهد قريب، يقرؤون في كتبهم المدرسية والجامعية، أن العرب خانوا الدولة العثمانية وطعنوا إخوتهم الأتراك في الظهر خلال الحرب العالمية الأولى، وأن خيانة العرب هي السبب الرئيس لخسارة تركيا الحرب أمام دول الحلفاء. وهذا كلام مردود على من قاله ، والحقيقة أن تركيا كانت آنذاك قد سميت ب " الرجل المريض "
مما حدى بالأتراك الى الاندفاع نحو التغريب الجارف الذي أرسى له مؤسس الجمهورية التركية " كمال أتاتورك " وحزبه الحاكم، في محاولة لإبعاد تركيا عن تاريخها القديم، وفصل امتداداتها الأخوية والدينية مع دول الجوار، واحتكار هويتها بالعنصر القومي.
وهذا ما دفع بالأتراك الى التوجس من العرب خاصة وظهور ذلك في الأمثال الشعبية التي يقول أحد أشهرها "لا صديق للتركي سوى التركي" وهو مثل يرد في الشعر والأدب بصيغ مختلفة، إلى جانب عشرات المقولات التي يرددها بعض الاتراك اليوم وتحمل مضامين عرقية تجاه العرب والكرد واليهود والأفارقة !!
وخلال العامين الماضيين، أصبح من الطبيعي أن تُطالع "مانشيت" أو مقالاً في إحدى الصحف واسعة الانتشار، يقول: إن العرب الذين طعنونا في الظهر قبل 100 عام يصولون ويجولون في تركيا دون حسيب أو رقيب، وأن إردوغان فتح الأبواب للسوريين متجاهلاً خيانتهم للدولة التركية وخيانتهم لبلدهم وهروبهم منها..
وقد تنبّه حزب العدالة والتنمية مؤخراً لخطورة ذلك على النسيج الاجتماعي والاستقرار الداخلي، فخرج تصريح للرئيس إردوغان يرد فيه بشكل على تلك الدعايات ويقول فيه أنه قد "حان الوقت لمحاربة الكذبة التي تقول أن العرب طعنوا الأتراك من الخلف، وأنه لا يجب اتهام العرب بالخيانة بسبب أخطاء البعض خلال الحرب العالمية الأولى !!
ونحن نقول ان ما قام به العرب ما هو الا نتيجة الممارسات العثمانية العنيفة ضدهم.
ورغم ذلك فقد حققت تركيا إلى جانب الانفتاح السياسي على العالم العربي مزيداً من الانفتاح الاجتماعي والثقافي، فأصبحنا نشاهد إقبالاً من قبل الطلاب الأتراك على تعلم اللغة العربية بالمعاهد والجامعات في كل من سوريا ومصر والأردن بغرض الدراسة، إلى جانب الانفتاح على الكتب العربية المترجمة، وتسجيل حالات من الزواج المختلط ازدادت خلال السنوات الخمس الأخيرة.
ولعل السبب في ذلك تصحيح الخلفية التاريخية المشوّهة التي تشرّبها الشعبين عن بعضهما بسبب التوجيه المُسيء في المناهج والدراما والحركة الثقافية لدى العرب والأتراك على السواء !!
وقد اختزل بعض العرب العقود الخمسة الأخيرة التي عاشها العرب والأتراك أواخر الحكم العثماني، لم يذكروا لنا على سبيل المثال موقف عبد الحميد الثاني في رفض بيع فلسطين للحركة الصهيونية، لكنهم ذكروا بإسهاب إعدامات "جمال باشا السفاح" للقوميين العرب.
وقد جاءت الأزمة السورية لتضفي المزيد من تعقيداتها على المشهد، وتصعّب من مهمة الأتراك الداعين للانفتاح على العالم العربي والتغيير السياسي كما هو معلوم أسرع من الاجتماعي حيث من الصعب التحلل عن الموروث التاريخي المتراكم.
وأشار كاتب تركي الى ذلك بالقول : أن هناك قوى من مصلحتها بث الفرقة بين العرب والأتراك، وتحاول تصوير كل منهما على أنه سبب في معاناة الآخر تاريخيا !!
وأصبحت تلك الحملات تستهدف اللاجئين السوريين، ثم اصبحت تطال السياح الأجانب والمقيمين .
ولا ننكر ان بعض السياح العرب، لهم ممارسات قبيحة نزدريها نحن العرب ونرفضها ولا تتناسب مع قيمنا واخلاقنا
كما يجدر ان نسجل ان معظم من ينتهج نهج كراهية السوريين بشكل خاص والعرب والأجانب عامة، هم من أحزاب المعارضة التي تأخذ على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تساهله مع الهجرة الأجنبية !!
وقد حذر الكاتب التركي عدنان أوناي في تصريحات نشرتها منصة «TR99»
من التعامل مع السياح العرب وكأنهم «مطبعة نقود» وحث الأتراك على التخلّي عن فكرة مُعاداة العرب وتبني أيديولوجية معادية لهم، خشية فقدان السائح العربي
وفي هذا الباب، يستحضر الأتراك التاريخ فيحملون العرب جزءا كبيرا من المسؤولية عن سقوط الإمبراطورية والخلافة العثمانية عام 1922، التي اسهمت فيها الثورة العربية الكبرى
دون الإشارة النزيهة إلى أن ثورة العرب بقيادة الشريف الحسين بن علي على الحكم التركي كانت بسبب الاعدامات والخوزقة والفظاعات الرهيبة التي اقترفتها تركيا على امتداد 400 سنة بحق العرب .
د . علوي عمر بن فريد