حكاية في حُب الأوطان من سالف الأزمان :

2013-08-04 13:50
حكاية في حُب الأوطان من سالف الأزمان :
شبوة برس- خاص - المهجر

حب الأوطان من الإيمان ومن علامات الرشد أن تكون النفس إلى بلدها توَّاقة ، وإلى مسقط رأسها مشتاقة .. وللوطن في القلوب منزلة عظيمة ومكانة فريدة لا احد يرضى عنه بديلاً مهما كانت الأحوال والظروف ، ومهما بعدت المسافات ومهما تعرض الوطن لمِحن وأزمات فـ الحب له يبقى مستوطن في القلوب .

ومن أجمل من تغنى في سالف الإزمان شعراً في حب الوطن " ميسون بنت بحدل الكلبية " وهي شاعرة بدوية من بني حارثة من ثقيف ، وكانت امرأه ذات جمال باهر وحسن غامر ، من اجمل بنات القبيله تعيش مع اهلها في بادية نجد .. احبها واعجب بها "معاوية بن ابي سفيان"  - وتزوجها .. فغادرت باديتها معه إلى حاضرة مُلكه حيث الخدم والحشم والراحه والترف ، والعيش الرغيد ، وهيأ لها قصراً مشرفاً على الغوطة" بستان" وزينه بأنواع الزخارف ، ووضع فيه من أواني الفضة والذهب ما يضاهيه ، ونقل إليه من الديباج الرومي والموشى ما هو لائق به ، ثم أسكنها مع وصائف لها كأمثال الحور العين ، فلبست يوماً أفخر ثيابها وتزينت وتطيبت بما أعدّ لها من الحلي والجوهر الذي لا يوجد مثله ، ثم جلست في روشنها وحولها الوصائف ، فنظرت إلى الغوطة وأشجارها ، وسمعت تجاوب الطير في أوكارها ، وشمت نسيم الأزهار ورائح الرياحين والنّوار ، فتذكرت باديتها وحنت إلى أترابها وأناسها ، وتذكرت مسقط رأسها ، فبكت وتنهدت ، فقالت لها بعض وصايفها ما يبكيك وأنت في ملك يضاهي ملك بلقيس . فتنفست الصعداء ثم أنشدت :

لبيتٌ تخفقُ الأرواح فيه      أحب إليّ من قصر منيف

وكلب ينبح الطرّاقَ عنّي     أحب إليّ من قطّ أليفِ

ولَبسُ عباءة تقرَّ بها عيني    أحب إليّ من لبس الشفوف

وأكل كسيرة في كسر بيتي    أحبُ إليّ من أكل الرغيفِ

وأصوات الرياح بكل فجّ      أحب إليّ من نقر الدفوف

وخِرْقٌ من بني عمّيْ نحيف   أحبُّ إليّ منْ علجٍ عنـيفِ

خشونة عيشتي في البدو أشهى إلى نفسي من العيش الطريفِ

فما أبغي سوى وطني بديلاً    وما أبهاه من وطـن شريفِ

فلما دخل معاوية اخبرته احدى الوصيفات بما قالت "ميسون" فقال : ما رضيت ابنة بحدل حتى جعلتني علجاً عنوفاً ؟ هي طالق ثلاثا .. ثم سيرها الى اهلها في نجد ، وكانت حاملاً بأبنه يزيد ، فولدته في البادية وارضعته سنتين ، ثم ارسلته الى ابيه غير نادمة .. وبقيت في باديتها وخيمتها التي احبتها رغم العيش الرغيد .. انه حُب الأوطان الذي لا يضاهيه حُب .

* من شفاء الناصر