بيان الصين العظيم

2023-03-11 09:16



ظلت الصين على جبروتها التاريخي والاقتصادي والبشري تعيش في منأى عن التدخلات المباشرة في شؤون المنطقة العربية ، وان ظلت في اطار اهتمامها ومحط نظرها في مختلف المراحل من التاريخ ، وهي تعي حقيقة اهميتها من كل النواحي وتراقب عن كثب الصراع الدولي المحموم عليها في حقبتي الحرب الباردة ، ومابعدها وسيادة النظام الدولي الجديد القائم على نظرية صراع الحضارات الذي هيأ العالم للهيمنة الامريكية واستباحتها لدول المنطقة على وجه الخصوص وذهابها ضحية للا ستفراد الامريكي بها وسيطرتها الكاملة على مصادرها وثرواتها والتحكم بقرارها السياسي وادارة مصالحها ، ووقوعها دون استثناء تحت الرحمة الامريكية خاصة عقب المتغيرات الجذرية التي طالت دولها الجمهورية ، وتسببت في نكبتها على كل صعيد على خروج البعض من ركام ازمتها وبقاء اليمن وسوريا تحت انقاضها نتيجة لتحول بلديهما لساحة مفتوحة لصراع السعودي الايراني واحتدام معاركهما المذهبية الشرسة بالوكالة على اراضي البلدين .

ويطرح بيان بكين التاريخي عن نجاح الصين في تحقيق المصالحة بين قطبي الثقل التاريخي والاقتصادي والمذهبي في المنطقة المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية اكثر من سؤال وعلامة استفهام كبرى ، لن تنحصر في مجال السؤال الاستراتيجي والهام الذي بات يشغل ذهن العالم بكامله ونطقه بلسان واحد هل حان الوقت لظهور الصين كمنافس قوي في السياسة الدولية الاحادية القطب عقب وقوفها حكرا على امريكا في العقود القليلة الماضية بغياب قطبها الثاني وانهياره في عقر داره ، وانفراط عقده الاشتراكي الهزيل ؟؟؟ .

وقبل الانطلاق في طرح المقاربة في وضع الجواب الافتراضي عن السؤال دعني عرج قليلا على علاقة الصين بالمنطقة وارتباطها التاريخي بها ، وقربها من مشكلاتها وفهمها العميق لجذورها ، والتجاذب الروحي المتبادل بينهما لميولهم الشرقي الواحد بمؤثراته النفسية القوية على العلاقات البينية . دون اغفال جذور الصراع المذهبي في المنطقة والمتصاعد في مساراته العدوانية منذ صدر الدولة الاسلامية الاولى ، وتهيئة ايران لوراثة مظلومية المذهب الشيعي ، والمملكة لوراثة المذهب السني الذي يوصف عادة بالسياج الديني لانظمة الحكم الاسري من عهد بني امية ، والاحاطة بكيفية استغلال ذلك الخلاف التاريخي العميق لزج بلمملكة وايران في دوامة صراع لانهاية لها .

وربما هيأت السياسية الدولية الجديدة الظروف للعمل على تقويض المذهب السني ، والانفتاح الكلي على الشيعة بمختلف طرقهم ومذاهبهم والذهاب العلني الى نصرتهم برغبة جامحة ومكشوفة لتحقيق سيادتهم على المنطقة .

وربما تمكنت الصين بحكمتها المعروفة من استغلال هذه الاجواء وبادرت بصمت رهيب في فتح الطريق امامها من اجل تحقيق صفقة الالفية الثالثة من التاريخ والنجاح السياسي غير المتوقع في عقد المصالحة التاريخية بين المملكة وايران والاعلان عن قرب عودة مياه العلاقات الدبلوماسية بينهما على ما كانت عليه في غضون ستين يوما ، لما لهذه الخطوة من ارتباط مباشر ومؤشر قوي على قرب انفراجة الازمة اليمنية والسورية والتعجيل في ايجاد الحلول السياسية المرضية لهما .

ويبعث تراجع الدور الامريكي في المسألة وقبولها بالوقوف في الظل بتساولات لاتقل عن سابقاتها ويصعب البحث في الاجابة عنها ، واستحالة ربطها بالتنبؤات الامريكية المسبقة التي طرحتها في العام خمسة وثمانين من القرن الماضي الخاصة بظهور التنين الصيني كقطب دولي منافس لها بحلول العام الفين وخمسة وعشرين ونحن نقف على مرمى حجر من توقيتها المنتظر .

فهل تحققت نبؤة حارسة شريعة الله على الارض امريكا العظمى قبل حلول وقتها بعامين ؟