من فائض القول إن العالم قد سئم من استمرار الفوضى في اليمن، والتي توشك أن تدخل عامها التاسع.
نعم 9 سنوات منذ انقلاب الحوثي الإرهابي المسلح على الشرعية في الدولة اليمنية واستيلائه على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، وما تلا ذلك من أحداث فوضى مدمرة، هُيّئت لها أحداثٌ سبقت ذلك التاريخ بكثير، منذ اضطرابات 2011، التي قادها تنظيم الإخوان الإرهابي عبر ذراعهم هناك، حزب تجمع الإصلاح، وهي الاضطرابات التي أخلت بقدرات الدولة في اليمن، ومهّدت الطريق أمام مليشيا الحوثي الإرهابية.
غني أيضا عن القول إن “الحوثيين” الإرهابيين لم يجدوا مقاومة إلا بعد نحو ستة أشهر عندما هاجموا محافظات الجنوب، حيث كانوا على موعد مع أول هزيمة عسكرية تلحق بهم في محافظة “الضالع”، التي تعد المدخل الرئيس لكل الجنوب.. هناك تصدَّى الناس -أقصد المواطنين العاديين- للإرهاب الحوثي بشجاعة منقطعة النظير، مدفوعين بأدبيات القضية الجنوبية ورفض الهمينة الخارجية، التي رأت في اعتداءات “الحوثي” غزوًا شماليا، وتوالت انتصارات المقاومة الشعبية في الجنوب مع تدخل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية، غير أن النتائج اختلفت وتباينت من منطقة يمنية إلى أخرى، فتحررت عدن، كبرى وأهم مدن الجنوب، ثم لحج وأبين وشبوة، ونظمت المقاومة الجنوبية نفسها ولاحقت الحوثي الإرهابي حتى أطراف مدينة الحديّدة على طول الساحل الغربي للبلاد، قبل أن يوقفها “اتفاق ستوكهولم”، الموقع بين الحكومة اليمنية والحوثيين في ديسمبر عام 2018.
وحتى اليوم بقي هؤلاء في مواقعهم ولم يخسروا أيا منها لصالح الحوثيين، الذي حاولوا مرارا التقدم جنوبا، وفشلوا في كل مرة، إذ تلحق بهم هزائم مُذلّة، كان آخرها ما حدث في شبوة خلال يناير من العام الماضي، حين أُلحقت بهم هزيمة مدوية كشفت مدى ضعفهم، أمام الجنوبيين على الأقل.
سلسلة معارك وأحداث رافقت سيرورة المشهد، ورسمت واقعا لا يمكن بأي حال تجاهله، فهناك من ضحّى وجالد وقاتل وانتصر مدافعا عن قضيته، ومن هنا ندعو كل الأطراف الساعية لإحلال السلام في اليمن -أقصد الأطراف الدولية والإقليمية- مع تصاعد نبرة التفاؤل بتحقيق اختراق أخيرًا في جهود استئناف الهدنة بعد رفض حوثي دام أشهرا، ومع عودة الحديث عن إمكانية إطلاق عملية سلام في اليمن.
مخاوف تجاوز الواقع والأطراف الفاعلة بدت واضحة خلال الأيام الأخيرة، مع ملاحظة انصباب كل جهود الوساطة ومحاولات التهدئة والسلام في طريق واحد تجاه العاصمة اليمنية، التي تحتلها مليشيا الحوثي الإرهابية، في محاولات ماراثونية لإقناعهم بالاقتراب من طاولة محادثات سلام يُمهّد لها باستئناف الهدنة الإنسانية.. ومع كل ما يعنيه ذلك حذر رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، من خطورة الرضوح لابتزازات الحوثيين كثمن لانخراطهم في جهود السلام، كما أنه يبدو بوضوح حتى الآن أن الجهود، سواء الإقليمية أو الدولية، لا ترى أو تتعمد عدم رؤية الواقع اليمني بكل تفاصيله، متجاهلةً قواه الحية والفاعلة، وهي بالطبع ليست الحوثية وحدها.
إن تجاهل الأطراف اليمنية الفاعلة والمنتصرة على الأرض لن يُنتج عملية سلام، وإن أنتجها، فستكون عرجاء ومنقوصة، بل وتؤسس لصراعات وحروب قادمة، ولن يكفي أبدا توقيع أي اتفاق أو إطلاق محادثات سلام بين اطراف خارجية وغير يمنية مع الحوثيين، فهذا اختلال واضح في ميزان سلام يُراد له أن يكون دائما.
أي عملية سلام يجب أن يتواجه فيها أطراف النزاع، وعلى رأسها القوى الفاعلة والمسيطرة على الأرض، وعلى رأسها أصحاب القضية الجنوبية، أصحاب النصر الأكبر، وربما الوحيد، على مشروع الحوثي الإرهابي في اليمن، وهنا علت أصوات تحذر من أن أي اتفاقات مع الحوثيين لا تشمل الفاعلين الحقيقيين في اليمن لن يُكتب لها النجاح، لافتين إلى خطورة تكرار سيناريو لبنان، فالذهاب لسلام منقوص يستثني القوى المسيطرة التي تحظى بثقة والتفاف الشعب اليمني سيؤسس لحروب وصراعات قد تمتد لعقود، وهو أمر أرى في كل الأحوال أنه غير قابل للتطبيق في اليمن، حيث إن القوى المناهضة لإرهاب الحوثي تتمتع بقدرات عسكرية وسياسية وشعبية.
إن أي حلول سياسية تتجاوز المعطيات على الأرض والمكونات الفاعلة قد تسبب خللا كبيرا في الموازين، ليُرحَّل الصراع اليمني إلى المستقبل، لذا فلا يجب أن تُغفل التسويات السياسية مطالب وتطلعات المكونات التي قدمت التضحيات وحققت الانتصارات في اليمن ضد التخريب والإرهاب الحوثي.