هل ما يجري من حرب في أوكرانيا اليوم بداية لولادة نظام عالمي جديد، قد يكون للعرب فيه دور كامل، يليق بهم وبقدراتهم وإمكانياتهم، والأهم أن يكون لائقا للدفاع عن قضاياهم ؟
وحتى لا نستبق الأحداث ونفسرها قبل وقوعها فإن البداية قد تكون قريبة جدا فمنذ قرار أوبك بلس بتخفيض إنتاجها من النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، الذي تبنته 23 دولة في تحالف أوبك بلس، والإدارة الأمريكية لا تتوقف عن إلقاء التهم على السعودية دون غيرها من الأعضاء، وتحميلها مسؤولية هذا القرار، وأنه قصد منه الاصطفاف مع روسيا ضد أوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الروسية- الأوكرانية !!
ومع أن هذا التفسير الأمريكي غير صحيح فإن الأمير محمد بن سلمان كان قد استخدم علاقاته المميزة بالرئيس الأوكراني للإفراج عن عشرة سجناء لدى أوكرانيا ونجح في وساطته، فكيف يستقيم ذلك مع اتهامات الولايات المتحدة الأمريكية للمملكة العربية السعودية بأنها في موقع الاصطفاف مع روسيا في حربها مع أوكرانيا؟؟ وأكثر من ذلك، فقد وقفت المملكة لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، في احترام استقلالية الدول، ورفض المساس بسيادة الدول على أراضيها.
كما ان تصويت المملكة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح القرار كان نابعاً من دعمها للالتزام بالمبادئ الراسخة في ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وتأكيدها على احترام سيادة الدول، وتقدير الرئيس الأوكراني لاستعداد سموه الاستمرار في جهود الوساطة الهادفة إلى إيجاد حل للأزمة، وشكره على قرار القيادة السعودية بتقديم حزمة مساعدات إنسانية إضافية لأوكرانيا بمبلغ 400 مليون دولار، والتي تسهم في التخفيف من معاناة المواطنين الأوكرانيين في ظل الأزمة التي تمر بها البلاد .
إن ثبات السعودية هو موافقتها على قرار اوبك بلس، بتخفيض انتاج النفط مليوني برميل يوميا، للحفاظ على سوق الطاقة ومنع انهياره في أجواء الحرب الروسية - الأوكرانية ، هو الرسالة الأقوى التي توجهها السعودية لكل العالم، بأن النفط العربي سلاح يكفي لحسم معارك العرب مع الآخرين وها هي المملكة العربية السعودية القوية ودون حروب، ولا حتى تصريحات عنترية ، تكشف عن حجم قوتها وتأثير العرب وتأييدهم لها ولمواقفها الشجاعة ، حين يلتزمون بهويتهم وقضاياهم واستقلال اوطانهم واستقلال قراراتهم.
السعودية لم تنحاز لأي طرف في حرب شرق اوروبا، ولم تتسبب في ازمة غذاء وطاقة وأزمة ديبلوماسية عالمية، ولا يعني التزامها بقرار الاوبك بلس أنها تضمر عداء او تنصاع في تنفيذ خطة ضد امريكا أو غيرها !!
السعودية ومنظمة اوبك ، تحمي العالم من فوضى سوق الطاقة، ولا شيء غير ذلك وأنا كعربي؛ لا أخفي دهشتي بل سعادتي وفخري بالموقف السياسي السعودي، كما لا أخفي توجسي من تبعاته في المستقبل، لذلك يجب على العرب اولا والعالم الحر، أن يدعما الموقف السعودي المستقل، ويدافعا عنه، فثبات السعودية على موقفها يؤكد أنها رمانة الميزان وصمام الأمان ، والتزامها بهذه السياسة، كفيل بحسم أكثر من 90% من مشاكل منطقتنا بلا حروب، بل بحياد مستقل محترم، ودفاع ذكي عن الحمى والمصالح العربية ، وهذه هي اللغة المطلوب التعامل فيها مع الغرب والشرق، لتنحسر الأطماع ويتوقف العبث بمنطقتنا وثرواتها ومستقبل شعوبها.
د. علوي عمر بن فريد
.