هذا هو السؤال الذي تتناسل منه أسئلة عديدة حول ما يجري في الجنوب اليوم حتى أصبح فيه الإنسان مجبرا على السكوت لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم خوفا على حياته بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في عموم البلاد الجنوبية التي أصبحت تحكم بغير أهلها وهم قد انشغلوا في صراعات ومهاترات إعلامية ويتناقرون كالديكة ضد بعضهم البعض وكل يدعي أنه وحده سيحكم الجنوب وهم في الحقيقة مجرد مطايا للآخرين ويعملون على تقسيم الوطن الى مربعات وغنائم لغير أهله ويعملون سرا وعلانية تحت إمرة أحزاب سياسية ومنظمات ومليشيات وجماعات إرهابية متعددة الولاءات والأهداف وكلها ترفع شعارات وطنية " كاذبة "وتروج لنفسها أنها وحدها الفرقة الصالحة المعصومة وغيرها الى الجحيم ، وكلها في المحصلة النهائية لا تملك من أمرها شيئا مجرد أدوات للأقوياء الذين يملكون المال والقوة والنفوذ !!
وكل تلك المنظمات قد باعت نفسها في سوق النخاسة قبل بيع الوطن للأقوى ومن يدفع لها الثمن الأعلى سعرا وهذا هو ما يريده أعداء الجنوب!!
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الإفلاس الوطني والأخلاقي لكل تلك القوى التي ذكرناها التي تعمل بالوكالة ليلا ونهارا على تكميم الأفواه وقمع الحريات والتهديد المبطن بالقتل بالنيابة عن أسيادها وذلك للحد من المعارضين لتبقى الأوضاع السياسية والأمنية في حالة من الفوضى والاضطراب ،وأصبحت الصحف ومحطات التلفزة في معظم برامجها الحوارية ومقالاتها المنشورة غير ملتزمة بالموضوعية والحوار المقنع والهادئ بل تتحول الى الصراخ والشتائم والمقاطعة !!
وعندما يطرح الكاتب الحر رأيه بصدق ويحاكي ضميره ووجدانه فيصبح مباشرة هو الشهيد الحي الذي يسير على الأرض ويتوقع اغتياله في أي لحظة ليلا أو نهارا عقابا له ولآرائه المخالفة لفكر وتوجهات أي حزب أو جماعة أخرى لا تتفق مع طرحه !!
ولا ننفى وجود كتاب يملكون حرية الرأي ويعتلون المنابر ولكن أغلبهم خارج الوطن والقلة النادرة داخله إلا من هم في الداخل يعانون الويلات فمساحة الحرية أمامهم ضيقة ومحدودة وكلما عادوا الى بيوتهم يتحسسون رقابهم خشية القتل في أي لحظة !!
ويتعرض الكتاب الوطنيين في الداخل يوميا الى جهاز فحص الضمير وتفتيش أفكارهم حتى قبل النشر وقراءة ما كتبوا في مقالاتهم وهنا يمكن القول بأن الكاتب والصحفي الحقيقي في بلادنا يبدو كشهيد حي حين تتجاوز مقالاته حدود وظيفته ، فالقوى المتحكمة في المشهد الجنوبي يريدون من الكاتب والصحفي عموما العمل كمهرج في بلاطهم العامر ومطبل في جوقتهم التي تزف كبارهم وتلمع سيرتهم كل يوم وتطبع صورهم الملونة في صدر صفحات الجرائد كل يوم ، ويبقون في صالوناتهم وسهراتهم الليلية كدمى متحركة كيفما شاءوا ، وأصبح ما يجري في بلادنا يحاكي قول الشاعر "المجهول " في قصيدة طويلة تتناغم مع واقعنا اليوم اخترنا مطلعها الذي يقول :
بلاد القمع أوطاني بأغلال وقضبان
فلو أفلتت من سجن يطالك ألف سجّان
فلا رأي يوحدّنا ولا عقل يوجّهنا
وسيف الله فرّقنا الى ملل وأديان
نحارب بعضنا بعضا ونلقي نفسنا أرضا
ونشبع لحمنا عضّا وتقطيعا بأسنان
لنا همجيّة سلفت حسبنا أنها اندثرت
فأيّة أمة سمحت لنقطع رأس إنسان
هلمّوا يا بني جهل الى الماضي بلا خجل
فعهد السيف والجمل يعود اليوم من ثاني
نفاخر في جهالتنا ندافع عن بلاهتنا
بإذن الله صحوتنا فهذا الجهل ربّاني
د. علوي عمر بن فريد