طرح مفكرون مُعاصرون عرب أسباب تخلُّف أمتنا وتقدُم غيرنا مثل: الغرب و اليابان والصين وكوريا، وقد عزا هؤلاء السبب لبنية العقل العربي، وثقافة البداوة والموروث الثقافي بشكلٍ عام، والشطط والانحراف في فهْم الإسلام وتفسيره، والاستبداد السياسي، وغياب الديمقراطية، والتبعية للغرب.
واليوم خفضنا من سقف طموحاتنا ولم نَعُد نُقارن حالنا نحن العرب بحال أوروبا والأميركيتَين أو اليابان وكوريا والصين بل سنُقارن حالنا بشعوب كانت أقل شأنا منا في مرحلة ما قبل الاستعمار أو بعده مباشرة كالهند ودول إفريقيا !!
وهنا نتساءل: لماذا نجحت شعوب العالَم الثالث التي كانت مثلها مثل الشعوب العربية تخضع للاستعمار والاستغلال الغربي كالدول الإفريقية والهند وغيرها في الخروج من دائرة التخلف والجهل ودخول عالَم الحداثة والتطور والديمقراطية، بينما الدول العربية، وباستثناء قلة منها، ما زالت تراوح مكانها، بل وتتراجع مكانتها على سلم التطور الحضاري؟
هل العقل العربي عصيٌ على الديمقراطية، وبنيته وموروثه التاريخي والديني مركَبة بطريقة تجعل دولنا في حالة رفض للديمقراطية؟ هل تحتاج بنية العقل العربي، وخصوصا السياسي، إلى تفكيك ومُراجعة وإعادة بناء؟
لماذا العرب يتصرفون كالقُصَّر الذين يحتاجون دوما إلى مَن يوجِّههم ويقودهم، وإن ولجوا المَسار الديمقراطي تكون ديمقراطيتهم مشوَهة وأبوية وموجَهة من الخارج وسرعان ما تنقلب إلى حُكمٍ استبدادي بواجهة ديمقراطية شكلية؟
لماذا ما تسمى ثورات الربيع العربي، التي قامت أساسا، كما يزعم مؤيدوها والمُدافعون عنها، كثورات ضد أنظمة استبدادية ترفض الديمقراطية وتنتهك حقوق المُواطنين ؟؟ لماذا آلت إلى الفوضى والحرب الأهلية والطائفية وتقويض مرتكزات الدولة الوطنية وإعادة إنتاج أنظمة الاستبداد؟
سأكتفى بشعبَين كان العرب يتعالون عليهما فأصبحا نموذجَين يُحتذى بهما وهُما الهند وأفريقيا غير العربية أو إفريقيا السوداء
-الهندي الذى تفوَق على سيده الأول :1
منذ عقود، وإلى وقتٍ قريب، كان بعض العرب ينعتون كل جاهل أو متخلف بـ«الهندى» من منطلق أن الهند بلاد الجهل والتخلُف من وجهة نظرهم، واليوم أصبحت الهند من الدول العظمى التي يُحسب لها ألف حساب ويُضرب بتقدمها الاقتصادي المثل ويصل معدل النمو فيها إلى نسبة 7.2 في المائة خلال العامين الماضيين ، بينما يصل نمو الإنتاج الصناعي إلى 8.3 في المائة، وهى تحتل الترتيب الخامس عالَميا وتتجاوز المَملكة المتحدة ــ بريطانيا ــ الدولة التي كانت تستعمرها، ويتوقَع المختصون أن تحتل الترتيب الثالث بعد سنوات قليلة، وما ساعد الهند على نهضتها اهتمامها بتكنولوجيا المعلومات وما يرتبط بها من صناعات.
وفى مجال التنمية السياسية تُعتبَر الهند أكبر الديمقراطيات في العالَم، من حيث عدد السكان وأهمها من حيث مُواجَهة التحديات المُعيقة للديمقراطية، سواء أكانت ثقافية أم اجتماعية أم دينية، وقد نجحت في بناء نظامٍ ديمقراطي علماني، على الرغم من أن تعداد سكانها يفوق المليار وربع المليار نسمة يعيش مُعظمهم في الريف ويستعملون مئات اللغات ودستور الهند يعترف باثنَين وعشرين لغة كلغات رسمية، كما أن السكان موزعون على طوائف دينية عدة، فيما العرب، الذين تحرروا من الاستعمار في المرحلة نفسها من استقلال الهند ــ استقلت الهند في العام 1947 ــ ويتكلمون لغة واحدة ولهم ثقافة واحدة وتاريخ مشترك ومنَت عليهم الطبيعة بثروات يُحسدون عليها، يراوحون مكانهم حضاريا، بل ويتراجعون، ويستوردون من الهند ما تعجز «العبقرية» العربية عن إنتاجه؟
إفريقيا تبيِّض صفحتها-2
إلى وقتٍ قريب كان العرب ينظرون باستخفاف إلى إفريقيا والإفريقيين ويعتبرونهم متخلفين وجهَلة أو مجتمعات ما قبل الدولة والحضارة، وهى نظرة عنصرية فوقية لا تقل سوءا من نظرة الأوروبيين البيض لغيرهم من الشعوب. كما أنها تستحضر الماضي ــ حين كان العرب يتعاملون مع إفريقيا كمَصدر للعبيد ــ وتستلهمه.
في السنوات القليلة الماضية، وعلى الرغم من سوء الوضع الاقتصادي، فإن دولا إفريقية وَلَجت عالَم الديمقراطية حيث اليوم أغلبية الدول الأفريقية تخوض تجربتها الديمقراطية باقتدار وتمر بحالة مقبولة من الاستقرار. كما يُراقِب الاتحاد الأفريقي الحياة السياسية في إفريقيا ويتدخل عندما تنحرف دولة عن المَسار الديمقراطي. وقد تَدَخَل الاتحاد في 18 محاولة انقلابية في القارة وأَجبر الانقلابيين على الانصياع لإرادة الشعب، وكان آخر تدخُل له عندما قرَر قبل أسابيع تجميد عضوية السودان في الاتحاد حتى يلتزم المجلس العسكري بتسليم السلطة لحكومة مدنية.
أما بالنسبة إلى العالَم العربي، وباستثناء بعض الحالات، فإن كل محاولات الانتقال الديمقراطي والتنمية الشمولية تتعثر، بل ويفقد العرب حتى القليل من الإنجازات التي راكموها في زمن ما قبل فوضى الربيع العربي. وجامعة الدول العربية بدلا من أن تكون الحارس والموجِه للمَسار الديمقراطي وللوحدة العربية أصبحت فى مكانٍ بعيد عن هذا الهدف
لا نريد مُمارَسة جلْد الذات أو الترويج لليأس وقطع الأمل بإمكانية تغيير حال العرب إلى الأفضل، بل نؤمن بأن دوام الحال من المحال، ولا بد للشعوب العربية أن تتغلب على مشكلاتها وأن تأخذ بناصية الحضارة والديمقراطية يوما ما، ولكنها خواطر وتساؤلات فرضت نفسها ودفعتنا للتفكير بصوتٍ عالٍ عسى ولعل الصوت يصل ويحدُث التغيير المنشود
من الجيد الإحساس بالمشكلة ومن الجيد أكثر تلمُّس أو وضْع إجابات عن التساؤلات المرتبطة بالمشكلة أو السؤال عن سبب تعثُر العرب وتقدُم غيرهم، ولكن الأهم من كل ذلك هو كيفية تحويل الإجابات إلى استراتيجيات عمل؟ ومَن يأخذ بناصية الانتقال والتغيير؟ هل هي الأنظمة والنخب القائمة نفسها، والتي تماهت مع حالة التخلُف وأَنتجت التخلُف والاستبداد، أو أنظمة حُكم ونخب جديدة بثقافة وعقلية جديدة
الإنسان العربي هو المخلوق الوحيد الذي يستطيع أن يعيد الزمن للوراء حيث نسير عكس الدنيا وعكس التاريخ، ولو تتبعنا سير شعوب العالم لاكتشفنا أنها خرجت من الظلمات إلى النور، ومن الخرافة إلى الحقيقة ومن الحروب إلى السلام، إلا الشعوب العربية التي كرهت النور واليوم هي تقاتل للعودة إلى الظلام!! ومع هدوء الصراع الديني في أوربا ، التقط العلماء أنفاسهم، وبدأوا في البحث العلمي الرصين وأصاب العالم آنذاك هوس خير اسمه هوس البحث العلمي والاختراع، وهنا بدأت تتغير حياة الإنسان بشكل متسارع، وبعد أن أثبتت العلوم الطبيعية نجاحها، سار على نهجها علماء الاجتماع والعلوم الإنسانية الأخرى، فظهرت النظرية الرأسمالية، والديموقراطية وثارت الشيوعية ثم (غارت) الشيوعية، وانتشرت الديموقراطية كحل هو من أفضل الحلول الممكنة والمعقولة التي توصل لها العقل البشري للحد من مصيبة الصراع الإنساني الأزلي، ومع ذلك لم يقف الأوروبيون عند ذلك بل تجاوزوا الدول القومية إلى مرحلة التكتلات الاقتصادية ومسحوا الحدود السياسية وأصبحت أوروبا اليوم دولة واحدة وكأنها مسحت التاريخ لتكتبه بشكل أخر، ولكن قدر العرب أن يدخلوا التاريخ بالعكس، فهم كانوا في سبات عميق قبل الاستعمار وعندما تحرروا من الخلافة العثمانية ترك لهم الاستعمار نظما ديموقراطية، لأنها أفضل ما توصل لها المستعمر بعد تجاربه المريرة، ولكنها لم تعجبنا فراحت الانقلابات العسكرية تتوالد، وألغينا كل النظم الديموقراطية التي تركها المستعمر المستبد...ورحنا نقفز من القومية إلى الاشتراكية ومن الاشتراكية إلى الشيوعية، ومن الشيوعية إلى الديكتاتورية، حتى مررنا على كل التجارب السياسية الإنسانية وأحرقناها، وأخيرا وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من فوضى لا نهاية لها.
ومشكلتنا اليوم أننا نريد أن نبدأ الدرس من جديد، ونعيد عجلة التاريخ للوراء، ونرجع لفكر الإنسان في العصور الوسطى، ونؤسس دولا طائفية، (وكأنك يا بو زيد ما غزيت)!!
د. علوي عمر بن فريد