بعد جلاء الاستعمار البريطاني عن عدن وإعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967 اختار حكام الجنوب نهج اليسار متأثرين بالخطاب القومي المتعالي في الحقبة الناصرية من بعد ثورة يوليو المصرية في 1952، هذا النهج السياسي آنذاك أوقع اليمن الجنوبية في عزله سياسية عن محيطها الإقليمي الذي كان مخالفاً للنهج اليساري، بل كان متضاداً مع الناصريين، وشكّلت حرب اليمن بين الجمهوريين والملكيين أرضاً لحرب بالوكالة، انتهت بتوافق بين الملك فيصل والزعيم جمال عبدالناصر.
حكام عدن قضوا سنواتهم الأولى في الحكم معزولين تماماً عن الإقليم العربي، فلم تشهد الأعوام الأولى من ميلاد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية اتصالات تذكر، حتى جاءت زيارة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه - إلى مدينة عدن لتكسر حالة الجمود التي يمكن التعبير عنها، من خلال الحفاوة البالغة بالزيارة على المستويات السياسية والشعبية، فقد اصطحب الرئيس سالم ربيع علي (سالمين) المغفور له الشيخ زايد بن سلطان في جولة على شوارع عدن بسيارة مكشوفة، حيث اصطفت جموع حاشدة من الجماهير لتحية الضيف الكبير. كان الشعور الحقيقي آنذاك مفعماً بالحماس، خاصة وأن الزيارة جاءت بعد عبور الجيش المصري عام 1973 ومشاركة الإمارات الفاعلة في وقف تصدير البترول واشتهار عبارة الشيخ زايد عند اتخاذ الإمارات لقرار «النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي». كان هذا الزخم كافياً للحفاوة البالغة التي استقبل بها ضيوف عدن من الناس غير أن جانباً آخر كان يتفاعل في الخلفية السياسية التي شهدت بالفعل كسراً لجمود انتهى بانفتاح جزئي لسياسات حكام عدن اليساريين، الذين توجت بزيارة الرئيس سالمين للسعودية عام 1977، إضافة لتوسع العلاقات مع دولة الكويت.
سياسياً نجحت زيارة الشيخ زايد لليمن الجنوبي حتى على المستوى الداخلي عندما طلب رؤية «حيدرة أمسعيدي» قائد قوات «جيش الليوي»، التي كانت مرابطة في أبوظبي إبان الانتداب البريطاني، وكان على معرفة بالشيخ زايد آل نهيان الذي بمجرد رؤيته كُسرتْ حالة تشنج كانت سائدة بين حكام عدن الجدد وبقايا ممثلي السلطنات والمشيخات التي كانت قائمة في الجنوب، مما أدى لمراجعات متعددة انتهت باحتواء شخصيات عسكرية واجتماعية ضمن مؤسسات اليمن الجنوبي الحكومية.
الذاكرة العدنية لا يمكنها تجاوز موقفاً تاريخياً عندما نشبت حرب صيف العام 1994 بين طرفي دولة الوحدة اليمنية وبعد إعلان الرئيس علي عبدالله صالح فرض الوحدة اليمنية بالقوة العسكرية، فلقد سجلت الذاكرة مخاطبة عبدالله بن حسين الأحمر شيخ مشائخ اليمن من أن فرض الوحدة بالدم لن يصنع مستقبلاً لليمن، وحاول المغفور له الشيخ زايد إلى جانب الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز عاهل السعودية حقن الدماء، إلا أن الغيّ لم يستمع لصوت العقلاء وحكمتهم، فدمرت الحرب كل النسيج الممكن من علاقة الشمال بالجنوب، وتحول حلم الوحدة إلى كابوس.
الخلود في الذاكرة والحضور المستدام في الوجدان العدني جاء بمواقف صنعت التحولات السياسية في عدن ما بعد الاستقلال الأول عن بريطانيا والمحطات التاريخية شكّلت الاختبارات القاسية التي منها حضر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في التأثير السياسي إضافة لبصماته الباقية في مدينة عبدالعزيز عبدالولي في المنصورة، التي شُيّدت في مطلع ثمانينيات القرن الماضي على نفقة الإمارات.
* - الاتحاد