اليمن والسقوط من الداخل !!

2020-11-27 11:08

 

أتاحت احتجاجات الربيع العربي في المنطقة العربية الفرصة لإيران لتوسيع نفوذها في المنطقة ولكن ذلك الاعتقاد الإيراني بعيد المنال ، وذلك للبعد الزمني للحدثين من جهة ، ومن جهة أخرى الاختلاف بين المذهبين الشيعي الإيراني وبين المذهب السني لغالبية الشعوب العربية ،وفي الأزمة اليمنية  تباينت مصالح وأهداف القوى الإقليمية لاسيما إيران، والمملكة العربية السعودية في الشأن اليمنى، وذلك نتيجة حتمية لما تمثله هاتين القوتين الإقليميتين المتنافستين لبعضهما البعض من حيث الصراع المذهبي من ناحية، ولما تشكله الأراضي اليمنية من أهمية حيوية للأمن القومي السعودي، حيث تعد إيران أذرعها ممتدة وبقوة في اليمن من خلال " المليشيات الحوثية " التي تحاول السيطرة على اليمن، وإيجاد نظام يمنى بصبغة إيرانية شيعية، ذلك بأن الموقع الجغرافي اليمنى  هام للغاية كمحور جيوبولتيكى حيوي للهيمنة الإيرانية ، وذلك نتيجة لسيطرة اليمن على مضيق باب المندب من جهة، وبإمكان إيران عمل تكتل من شأنه صد وتطويق قوى إقليمية سنية معادية لها مثل  السعودية من جهة أخرى .

وبناء على ما سبق، وحيث انه في عام 2015 تم تكوين تحالف عربي للدول العربية السُنية - بقيادة السعودية  وبدعم ومباركة أمريكية وعرف ب “عاصفة الحزم” ضد الحوثيين والقوات الموالية للرئيس الأسبق علي عبد الله صالح باليمن، استجابة لطلب الرئيس الشرعي المنتخب عبد ربه منصور هادي المدعوم من طرف السعودية بالتدخل  مهمتها بالأساس تطويق إيران وتمددها الشيعي في المنطقة، لاسيما بعد أن قامت جماعة الحوثيين بإطلاق عدة صواريخ باليستيه على السعودية، إلا أنه في 21 نيسان من نفس العام أعلن التحالف انتهاء “عاصفة الحزم” وبدء عمليات “إعادة الأمل”، خاصةً بعد وأن أدرجت الأمم المتحدة التحالف العربي في اللائحة السوداء . وفى هذا القرار الذي تحركه مصالح القوى الكبرى أمر واضح وصريح من قضية هذه الدول الكبرى من تكوين تحالفات عربية في المنطقة من شأنها إضعاف تواجدها وكلمتها في المنطقة  .

ولكن  الرئيس التركي " أردوغان " لم  يدعم التحالف العربي السني أو تأييده في المحافل الدولية لحساباته و مصالحه  الخاصة الضيقة  في محاوله من تركيا للتخلص من إيران كقوة إقليمية منافسة لها في الهيمنة على الإقليم الشرق أوسطى، وتمددها الزائد في المنطقة، معتقدا أن تحالفه مع فطر يكفي ولهذا بقيت تركيا خارج الحرب ، أيضاً على الجانب الإسرائيلي،حيث تخشى  تل أبيب  من انتصار الحوثيين وسيطرتهم على اليمن لأن ذلك سوف يعزز من النفوذ والسيطرة الإيرانية في المنطقة خاصةً تحكمها في مضيق باب المندب الذي يربط بين خليج عدن والبحر العربي   من ناحية، والبحر الأحمر من ناحية أخرى،  مما يعد بمثابة طوق جيبوبولتيكى يهدد التواجد الإسرائيلي بل والمصري على البحر الأحمر، لذلك فإسرائيل تدعم مواقف الدول العربية ضد الذراع الإيراني الممتد في اليمن، على الرغم من العداء التاريخي بين العرب وإسرائيل، إلا أنها تفضل التقارب مع الدول العربية السُنية من جهة والتسخين مع إيران العدو اللدود لها من جهة أخرى .

والجدير ذكره في هذا الصدد هو أن محور الصراع  في أزمات ومشاكل المنطقة يُعد في مجمله صراع لقوى إقليمية غير عربية على أراضى عربية، مما يثير لدينا تساؤل في هذا الشأن : هل هناك دور عربي قوي في إدارة أزمات الشرق الأوسط، والقدرة على طرح الحلول والمبادرات وتسوية الصراعات في المنطقة  من عدمه ؟

وينسب المؤرخون انهيار الدول إلى تآكلها من الداخل حيث

يرى المؤرخ البريطاني”توينبي” أن الدولة  تصل ، إلى مرحلة السقوط والانهيار ، عندما لا يمكنها التصدي ، أو الاستجابة  للتحديات التي تواجهها ، وهنا  يحدث ما يسمى، قتل لروح الدولة وقدراتها الإبداعية!!

بالإضافة إلى فقدان القدرة على التجديد  ، والذي من شأنه يعمل على مجابهة تلك التحديات ، حينئذ تدخل الدولة في مرحلة الانهيار والسقوط!! .

وأكد على هذه النظرية المؤرخ ” ديورانت ” ، والذي رأى أن الدول الكبيرة لا تهزم ، إلا عندما تبدأ في تدمير نفسها من الداخل ، أضاف أن الدولة التي لا تمتلك القدرة، على مسايرة  المتغيرات العامة التي تطرأ عليها ، لا يمكنها الاحتفاظ  ببقائها لفترة طويلة ، ويبقى مصيرها مهدده بالسقوط كالحالة اليمنية!! .

ثلاثة الاستبداد : ( القمع والإقصاء ورعاية الفساد) )

القمع والإقصاء ورعاية الفساد ، من العوامل الهامة التي تؤدي، إلى سقوط الدول ، وقد أطلق المؤرخون على هذه العوامل اسم ” ثلاثية الاستبدال ” ، والتي تؤدي إلى تراكم مشاعر السخط ، وعدم القدرة على السيطرة، على الأركان الأساسية في الدولة ، الأمر الذي يهدد بسقوط الدول، على الرغم من تحصينها بأعتى الأجهزة القمعية والمتسلطة في العالم.

الفساد الاقتصادي:

مما لا شك فيه أن تردي الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع خط الفقر من الأسباب الرئيسية ، وفي مرحلة العد التنازلي لسقوط أي   نظام يدخل  الفاسدون في سباق عجيب  للنهب والاختلاس والرشاوى بدون حياء أو خجل لأنهم يدركون أن المركب تغرق فيريد كل واحد منهم إثقال جيوبه بأكبر قدر ممكن من الأموال استعداد للقفز من السفينة .. وتتصاعد عمليات تهريب الأموال للخارج وكل فاسد يجتهد في البحث عن دولة تؤويه مع أمواله المنهوبة من الشعب كما يجري اليوم في اليمن ،

 يقول الأستاذ خالد فؤاد طحطح في كتابه " في فلسفة التاريخ "وهكذا يفسر توينبي انهيار الحضارات بتحلل المجتمعات من الداخل قبل أن يأتيها غزو من الخارج ليجهز عليها، ذلك أن الغزو الخارجي في مثل هذه الحالة يمثل الضربة القاضية في مجتمع يلفظ أنفاسه الأخيرة. لذا يمكن القول إن أية حضارة من الحضارات، أو دولة من الدول، لا يمكن أن تنهار من الخارج، دون أن تكون قد تآكلت من الداخل، إذ لا يمكن بحال من الأحوال قهر أية إمبراطورية من الخارج، إذا لم تكن قد انتحرت

وتأتي الطائفية، وخاصة منها الاستقطاب المذهبي المروع بين الشيعة والسنة، من أبرز العوامل الداخلية بالنسبة لحاضرنا نحن العرب والمسلمين حتى الدولة العثمانية عندما أفل نجمها وخرجت من البلاد العربية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى .. خرج عساكرها وهم يحملون الأموال والذهب عائدين إلى تركيا وبعضهم لم يتمكن من حمل الأموال المنهوبة فحفروا  الأرض ووضعوا علامات حيث دفنوا الذهب!!ّ

ومن هنا جاءت قصة الباحثين عن الثروة من الدفائن الذهبية في الأرض وانشغل كثير من الناس في معظم الدول العربية بالحفر والاستعانة بمشايخ ثم معدات الكشف عن المعادن للوصول إلى أموال الضباط الأتراك المدفونة بالأرض.. بعضهم وصل للدفائن وكثير منهم لم يصل لشيء . وكانت نظرية الضباط الأتراك هي العودة إلى البلد الذي دفن فيه الذهب بعد أن تهدأ الأمور والحرب 

التي تساعد في انتهاكات كيانات الدولة ، بالتالي تزيد من خطر سقوط الدول وانهيارها وهو ما يجري اليوم تحت أسماعنا وأبصارنا في اليمن اليوم  التي تقودها حكومتان تهيمنان على كل شيء فيها واحدة تدعي الشرعية والأخرى انقلابية فرضت نفسها   بالقوة و تتصارعان على الأرض والشعب والوطن هما الضحية !!

 

د. علوي عمر بن فريد