لم تكن دولة الإمارات العربية المتحدة بحاجة لتبرير الخطوة السيادية التي قامت بها من أجل السلام، ولكن ثمة قيماً ومنهجاً تسير عليه الإمارات، استوجب خطوة استباقية لافتة بظهور وزير الخارجية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، موجهاً خطاباً للجالية الفلسطينية المقيمة في دولة الإمارات، حملت تأكيداً على قيم المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان.
يعيش في الإمارات مئات الجنسيات، وهم متساوون في الحقوق والواجبات، وفيما يشمل التسامح النسيج الاجتماعي، فإن ظهور شخصية سمو الشيخ عبدالله بن زايد مخاطباً الجالية الفلسطينية، كان فيه القدر الكبير من التقدير عند كافة المقيمين، على اعتبار درجة الاحترام بالغ القيمة والامتنان، بما يؤكد أن القيادة الإماراتية تدرك ما قدمته الجالية الفلسطينية من مساهمات في البناء المعرفي والإنشائي.
على مدى أيام، كان هناك سؤال يدور، لماذا ظهر فيديو الشيخ عبدالله بن زايد؟ الجواب جاء صادماً مفجعاً في اجتماع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالفصائل، فلقد استمع الشارع العربي، في هذا الاجتماع لخطاب مأزوم قادم من ستينيات القرن العشرين المنصرم، حاملاً ذكريات أليمة من «أيلول الأسود» وحرق بيروت، في تأكيد على أن قيادات فلسطين لم تتعلم من محطات السنين المريرة التي عاشها الشعب نتيجة القرارات العنترية.
لغة التحريض والعداء لشعوب دول الخليج، هي لغة المصابين بالأمية السياسية وفقر الأخلاق واستعادة لكوارث أصابت الفلسطينيين، وما الموقف من غزو العراق للكويت ببعيد، فلقد تقطعت السبل بمئات الآلاف من المقيمين الفلسطينيين في الكويت، الذين وجدوا أنفسهم ضحية مقامرة قيادتهم وخياراتها غير المحسوبة، وبرغم ذلك تعود قيادات الفصائل لذات المقامرات دونما اعتبار لمصلحة الشعب الفلسطيني.
القيادة السياسية الإماراتية استبقت ردة الفعل غير المنضبطة، لتضع مساراً واضحاً على قيادة السلطة الفلسطينية، أن تسير فيه باستغلال الفرصة والعودة للمفاوضات مع إسرائيل وفقاً لـ«حل الدولتين»، بعد أن تمكنت الدبلوماسية الإماراتية من وقف ضم ما تبقى من الضفة الغربية وغور الأردن.
الموقف واضح، فلقد انتهت سنوات الاتجار بالقضية، فها هي حالة الانقسام تنتهي، واجتمع محمود عباس بكل الفصائل، وكان الأجدر بهؤلاء أن يحترموا عهدهم عند بيت الله المحرم في عام 2007، بعد مساعي الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله، لرأب الانقسام بين حركة «فتح» و«حماس»، حالة الانقسام استمرت وارتمت «حماس» في محور إيران، بينما بقيت «فتح» تقتات من المساعدات المرصودة للشعب الفلسطيني، وفي التوقيت الذي قرر فيه الإماراتيون إبرام معاهدة السلام مع إسرائيل، تقاطرت قيادات الفصائل بما فيها «حماس» على مقر السلطة في رام الله، ولم يجدوا مانعاً في تولي محمود عباس رئاسة الاجتماع، الذي تحول لمنصة تحريض تجاهل مواقف الدول الخليجية السياسية والسخاء للقضية الفلسطينية وشعبها.
بالتأكيد أن ثمة شعوراً بين شعوب الخليج بالمرارة والحزن على حالة الجحود والنكران لمواقف الفصائل، مع أن هذه الشعوب عاشت الموقف ذاته في عام 1990، وتكرر مع الشرعية اليمنية في أكثر من موقف منذ انطلاق «عاصفة الحزم» في 2015م، فهذه الفصائل تتبنى سياسة فاشلة لم تتعلم من دروس التاريخ، ولم تعتبر من أحداثه وتحولاته، وحولت الشعارات القومية والاشتراكية لبضاعة في تجارة القضية الفلسطينية، بما تحمله القضية من قيمة في وجدان الشعوب الخليجية والعربية.
اعتذر محمود عباس وفصائله أم لم يعتذروا، فإن التاريخ كتب لأبناء زايد أسبقيتهم بطمأنة الجالية الفلسطينية، وأن المواقف الإماراتية لا يمكن المزايدة عليها، كما سجل التاريخ أن الإماراتيين منحوا فرصة حياة للحل السياسي، وإقامة دولة فلسطين إنْ رغبت القيادة الفلسطينية ذلك، وتركت عنها اتجاه بعضها إلى المتاجرة بالقضية، فالشعوب العربية كشفت الحقيقة، ولا مجال لتدوير البضاعة الكاسدة على حساب شعب فلسطين المظلوم.