الشعر هو الكاشف الحقيقي للواقع الذي يعيشه الإنسان فهو جسر بين الماضي والحاضر ،يربط بينهما ربطا حضاريا واجتماعيا ويحرك ضمائر الناس ويرهف أحاسيسها ويرقق مشاعرها ، والشعر ديوان العرب الذي يرسم صورة الابداع الجمالي والحسي للواقع المعاش سواء في البادية أو الحاضرة والشعر هو التاريخ الحقيقي للقوم ، يصور الأحداث الجارية ويسجلها ويرسم ملامح الطبيعة والنفس البشرية بلين عواطفها ورقتها وقسوتها والشعرالقبلي يحاكي الشعر الجاهلي من حيث المفردات والحماسة والصور البيانية التي تتحدث عن الشجاعة والحماسة و يعدُّ الشعرالجاهلي من أجَلِّ الفنون الأدبيَّة عند العرب قديمًا وحديثًا، ويدلُّ مصطلح الشعر الجاهلي على شعر العرب الذي كتبهُ شعراء العرب باللغة العربية الفصحى قبل ظهور الإسلام في العصر الذي أُطلقَ عليه العصر الجاهلي، ولم يكُن التدوين قد ظهر عند العرب في ذلك العصر، كما هو الحال في العصر القبلي إلا أن العرب في الجاهلية حافظوا على لغتهم العربية الفصحى ولم يتأثروا باللهجات التي عرفت لاحقا رغم وصم عصرهم بالجاهلية والجهل فقد كانوا يأخذون عن بعضهم الآداب من نثر وشعر مشافهةً وسماعًا، وبهذه الطريقة انتقل الشعر الجاهلي إلى العصور التالية عن طريق رواة حفظوه ومرَّروه لمَن بعدهم وصولًا إلى عصور التدوين، ومن أشهر من نقل الشعر من الرواة عند العرب: خلف الأحمر، المفضَّل الضبِّي، حمادة الراوي، الأصمعي وغيرهم، ولذا حافظ الشعر الجاهلي على صفاته وبيانه ومفرداته ولم تشوهه اللهجات كالشعر القبلي الذي انتشر بسرعة مذهلة بنفس طريقة الشعر الجاهلي بعد سقوط الدولتين الأموية والعباسة وتشرذم الدولة العربية الواحدة وهذا المقال سيتطرق إلى مقارنة سريعة بين تأثر شعراء البادية وشعراء الحواضر في مدن الجنوب ونرى الفارق في قوة الشعر وتأثر مفرداته بالأحداث والصراعات والحروب القبلية البينية يقابله في الحواضر رقة الشعر ومحاكاة الطبيعة وتأثر الشعراء بالطبيعة الجميلة وما يقابلها من طبيعة صعبة ووعورة الجبال وقسوة الطبيعة والتضاريس ولنأخذ سلطنة لحج ويقابلها مشيخة العوالق العليا أنموذجا تقريبيا على عجالة في هذا المقال المختصر.
سلطنة لحج :
الشاعر أحمد فضل العبدلي (القمندان:
أفنى القمندان جل حياته على درب الأدب والشعر والغناء والموسيقى ومن عمله كقائد لقوة لحج النظامية لفترة وجيزة استمد لقبه الذي صار يعرف به.
أدرك القمندان قدرة الفن على التأثير والخلود فأعطى للأغنية اللحجية تلك الألحان التي مازالت تطربنا وتهز وجداننا حتى الآن،
ويعتبر القمندان باعث النهضة الغنائية ورائدها كافح ودعا واجتهد في سبيل اخراج الأغنية اللحجية من محيطها المحلي فأبرزها حتى احتلت مكاناً مرموقاً في عالم الغناء الخليجي والعربي.
للقمندان ديوان وحيد ضم كل القصائد التي كتبها وهو بعنوان (المصدر المفيد في غناء لحج الجديد)،ويحتوى على 94 قصيدة مكتوبة بلغة عربية فصيحة ولهجة عامّية لحجية، و يعود له الفضل في تأسيس الغناء اللحجي زمن ذلك الشعر الجميل :
نماذج من شعرالقمندان :
كان الـقُـمِـنْـدان يكتب الكلمات ويلحنها ويغنيها، وينسق إيقاعاتها ويخلق رقصات جديدة مواكبة لألحانه وكان شعره متدفق الأحاسيس قوي الصور معطاء لايترك فرصة للمستمع في وقفة ولوبسيطة لكنه يرغمه على الاستمرار حتى النهاية ومن قصائده :*
هل أعجبك يوم في شعري غزير المعاني
وذقت ترتيل آياتي وشاقك بياني
وهل تأملت يا لحجي كتاب الأغاني
ولا أنا قط صنعاني ولا أصفهاني
هل أسمعك فضل يوماً في الغناء ما أعاني
وكيف صاد المها قلبي وماذا دهاني
وأنت بالعود تتهنا وطعم المثاني
فهل دعاك الهوى يوماً كما قد دعاني
ياورد يافل ياكاذي وياورد نرجس
بس الجفايا يا كحيل الطرف بس الجفا بس
حس الهوى لوّع الخاطر وحرق ومسمس
ساعة من الزين لوجادت مزونة شفاني
الشعر العولقي :
لا شك أن الطبيعة تؤثر تأثيرا عميقا في حياة الإنسان الذي يحيا فوق ترابها وجبالها وتؤثر في تركيبته النفسية من حيث تكوينها الجغرافي والمناخي وشتان بين منطقة العوالق ذات التضاريس الجبلية الوعرة وقلة المحاصيل وضيق الرقعة الزراعية التي تختلف كليا عن طبيعة لحج الغناء السهلية المنبسطة ذات المحاصيل الوفيرة والتربة الخصبة ومن هنا يأتي الفرق في الحياة ويعبر عنها الشعر والشعراء وفيما يلي نماذج للفارق بين لحج ومنطقة العوالق ، حيث يقول الشاعر أحمد بن محمد الباراسي :
حيا لكم يا نمار ما ثار المثار وما سال سيله من علو شعابها
عندي لكم مقدار يا الروس الكبار أما الطمم إذا جات ياحيا بها
وقال الشاعر علي بن محسن السليماني :
أنا سلامي من حجر متيبسه درمى صليبه بين جروان النمار
من دي حلاله طفة الكور الورب لا قد بلي يمسي بعيونه نبار
وقال الشيخ رويس بن فريد بعد أن قام مع نخبة من مشايخ العوالق بزيارة الجمعدار عبدالله بن علي العولقي في مدينة حيدر أباد في الهند أثناء الوجود البريطاني وأننشد شعرا وقال :
يالهند لو ما بوعلي ما شفتني ما كان ميحت البحور الطامية
قد خير لي في عدس ولا في رفض واسرح وروح في الحيور الظاميه
هذا والحديث ذو شجون مع تحياتي
د. علوي عمر بن فريد