أشترى رجلٌ حماراً ...ومن فرحته صعد به إلى سطح منزله على غير العادة حيث تربط الحمير في الزريبة ولكن الرجل أراد أن يدلل حماره ويريه المنطقة من فوق ويتعرف على الدرب حتى لا يضيع حين يرجع وحده إلى البيت ،وعند الغروب أراد الرجل أن ينزل بحماره ولكنه رفض النزول بعد أن أعجبه السطح !!
حاول صاحبنا سحبه .. توسل إليه ولكنه رفض النزول وصار الحمار يركض ويدق بحوافره السطح بقوة حتى صار يهتز من تحته والسقف عيدان من خشب لا يحتمل الثقل فنزل الرجل مسرعا وأخذ زوجته وأطفاله خارج البيت وخلال دقائق انهار سقف البيت ومات الحمار!!
وقف الرجل على رأس حماره وقال : والله الحق ليس عليك ..لأن مكانك تحت هناك مشيرا بيده ..الحق علي أنا الذي رفعتك إلى السطح!!
العبرة من الحكاية :
الحمير الذّين يتمّ إيصالهم لمكانٍ غير مناسبٍ لهم.
لا يلامُ إلّا من أوصلَهم إذا تهدّمت بلداننا بسببهم!!
عندما يتمّ تعيين أناسٍ غيرَ مناسبين في مواقع القرار ، فلا عجبَ من انهيار التّعليم والصّناعة والزّراعة والقيم.. .!!
وعندما نسمحُ إلى من هم ليسوا أهلاً بأن يصلوا إلى سدّة المناصب والقرار ، فلا يتملكنا الاستغراب من خراب بلداننا بالعنف والإرهاب والاستبداد والظلم .
وعندما كثرت الحمير على الأسطح وتضعضعت الدّعامات فهل من معجزة تنزلها لأنّ من يصعد للسّطح منهم لا يقبل أن ينزل قبل أن يَهدمَ البيت . ..!!!؟؟
وهذا هو ما يحدث حين يحكم الرعاع وسفلة القوم في غياب معايير مهنية ووطنية خالصة في اختيار أو ارتقاء الكوادر المتقدمة في الدولة وفشل معظم الأنظمة التي توالت على حكم الكثير من الدول العربية التي تحولت إلى نظم ثورية وشمولية سواء كانت بإيديولوجيات دينية أو سياسية وبأشكال مختلفة ومتنوعة بين حزب وآخر أو حركة وأخرى، عندما استولى على سدة الحكم مجاميع من الفاسدين واللصوص حولت بلدانها إلى معتقل مرعب لكل الكفاءات الخالصة والمتميزة، ودفعت إلى مفاصل التحكم بالمال والسلطة أفواج من النكرات والتافهين لتنفيذ برامجها في الفساد والإفساد وخاصة في اليمن والجنوب !!.
وبعيداً عن التصنيفات الرأسمالية والشيوعية لطبقات المجتمع وتعريفهم للشرائح، سأتحدث هنا عما قاله ابن خلدون عن حكم أسافل الناس، وما ذكره أحد أعيان الفرات الأوسط بالعراق إبان حكم الوزير الأول نوري السعيد، الذي طالما كان يتولى إضافة إلى رئاسة الحكومة أحد منصبي الداخلية أو الدفاع وأحياناً الخارجية أيضاً، قبل أكثر من نصف قرن " توسط شخص ما لدى أحد أعيان الفرات الأوسط طالباً منه توصية لنوري السعيد لقبول ابنه في كلية الشرطة أو العسكرية حينها، وبعد التحري والتدقيق، قال له الباشا :
( لا يمكن قبوله لأسباب تربوية واجتماعية تتعلق بأسرته، مؤكداً أنه لا يستطيع أن يقبل شخص فيه عاهات تربوية واجتماعية في موقع سيكون فيه بعد سنوات برتبة عالية يتحكم من خلالها بآلاف البشر وعائلاتهم )
وقبل الخوض فيما قاله ابن خلدون أو ما قيل نقلاً عن الباشا نوري السعيد، فأن السفلة واللصوص والسفهاء ومتسلقي المناصب والامتيازات، لا علاقة لهم بالطبقة التي ينتمون إليها ونمط السلوك الذي يمارسونه.
فقد شهدنا في حياتنا أنبل البشر بين الفقراء ومنهم، والعكس صحيح بين الأثرياء. إنها فعلاً البيئة الفاسدة والتربية المنحرفة والقيم الدنيا التي تنتج هذا النمط من الشرائح الاجتماعية، وتتعلق حتماً بالبيئة التي ينشئون فيها والتربية التي يتلقونها في طفولتهم والسنوات الأولى من نضجهم، وفي الوقت الذي تهتم الدولة المتحضرة في معالجة هذه الشرائح؛ بل ومنعها من التسلط أو التحكم بأي شكل من الأشكال وفي كل مفاصل الدولة، فإنها تنمو وتتمدد في الدول المتخلفة سواءً أكانت دكتاتورية أو حتى في مراحلها الأولى بالديمقراطية، وخير مثال ما نشهده في بلداننا التي تعج اليوم بمهرجانات وأسواق الفساد المالي والإداري والسياسي ناهيك عن الاجتماعي والأخلاقي، وليس أروع مما قاله ابن خلدون عن هذه الشريحة التي تسلطت على رقاب البشر من منافذ ديمقراطية أتاحت لها في لعبة الانتخابات والقيم القبلية البائسة وتجارة المناصب بالسحت الحرام، أن تنفذ إلى مواقع حذرَ منها المفكر الكبير منذ أكثر من ستمائة عامِ حينما قال:
"((لا تولوا أبناء السفلة والسفهاء قيادة الجنود ومناصب القضاء وشؤون العامة، لأنهم إذا أصبحوا من ذوي المناصب اجتهدوا في ظلم الأبرياء وأبناء الشرفاء وإذلالهم بشكلِ متعمد، نظراً لشعورهم المستمر بعقدة النقص والدونية التي تلازمهم وترفض مغادرة نفوسهم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى سقوط العروش ونهاية الدول ))!!
ولينظر كلّ منا أينما كان وفي أي مكان إلى ما حوله ليرى ما ذكره ابن خلدون وفعله الباشا نوري السعيد في شخوص أُناس تولت أو تسلقت في غفلةِ من الزمن وبسلم صدئ مواقع التسلط والتحكم في دول صنفتها منظمات الشفافية العالمية بأنها الأفشل والأكثر فساداً في العالم!!
وكما أسلفنا فالحمار إذا حاولت رفعه و أخذته إلى سطح المنزل حتما سيرفض النزول وسيهدم البيت على رأسه وعلى رؤوس أصحابه وهذا هو ما حدث بالأمس و يحدث في اليمن اليوم !!
د. علوي عمر بن فريد