لم تكن الوحدة اليمنية التي أعلنت في(22 مايو 1990) خيارا شعبيا، بل قرارا نخبويا،قامت فيه النخب الحاكمة في القطرين الجنوب والشمال باختطاف الحكم مسبقا مما سهل لها استلاب القرار الشعبي لاحقا عند اتخاذها قرارا عشوائيا لتحقيق الوحدة لتضمن مصالحها وترسخ وجودها في الاستحواذ على الحكم وغيبت دور الجماهير والأحزاب السياسية في البلدين من قبل وفشلت في إرساء قواعد الوحدة الوطنية قبل الوحدة القطرية على أسس راسخة ومتينة خاصة وأن النظامين شمالا وجنوبا قاما باحتكار السلطة واختطافها منذ سنوات فالحزب الاشتراكي قام منذ الاستقلال بإقصاء كل الطيف السياسي الجنوبي ثم دخل مرحلة صراعات بينية دامية.
تشرذم فيها إلى عدة أجنحة منذ الانقلاب على قحطان الشعبي ثم الانقلاب على سالم ربيع وهلم جرا حتى مذبحة 13 يناير التي تواجهت فيها المحافظات الجنوبية داخل النظام على أساس مناطقي – قبلي وكانت تلك المذبحة كالقشة التي قصمت ظهر الجنوب ونتج عنها الزمرة والتي هربت إلى اليمن الشمالي وجمدت في معسكرات النظام القبلي الشمالي ليستخدمها كعصا غليظة في يده للانتقام عند الحاجة !!
والانقلابات في اليمن الشمالية لا تقل دموية عنها في الجنوب وصولا إلى حكم صالح الذي قام بعد سلسلة من الانقلابات الدموية واستطاع أن يدجن الزمرة عندما هربت إلى صنعاء !!
وفي الوقت نفسه تمكن من احتواء الطغمة بقيادة البيض التي ضاقت خياراتها بعد تخلي الاتحاد السوفييتي المنهار عنها ولم تجد أمامها إلا الهروب إلى الوحدة ،ثم أدخل صالح حزب الإصلاح كحليف متدثر بالدين جمع عصابات الأفغان العرب الذين لفظتهم أوطانهم وشكلوا تحالفا انتهازيا مع مجموعات قبلية همجية بزعامة الشيخ الأحمر لا تفقه شيئا في السياسة إلا السرقة والسطو واستخدمت تلك المجموعات الزمرة الهاربة التي جسدت دور أبو رغال كطلائع عسكرية لغزو الجنوب وتدميره !!
كما أفتى" علماء صالح" بتكفير وقتل أهل الجنوب بحجة تمترس المقاومين بهم !!
كان نظام علي صالح يعاني من أزمات اقتصادية خانقة، وقد وجد كل من زعيمي القطرين في الوحدة فرصته الوحيدة لدفن فشله السياسي في معالجة مشاكل نظامه.
هذه الوحدة النخبوية، خلقت نظاما وحدويا انتهازيا، حقق مصالح مؤقتة لنخب القطرين، لكنه لم يضع حلولا حقيقية لمشاكل الصراع التاريخي والسياسي بين القطرين!!
ولم يجد البيض أمامه إلا الهروب مرة أخرى إلى عدن والاعتكاف حانقا نادما على ما فرط فيه ورغم توقيعه مكرها على وثيقة العهد والاتفاق إلا أن كل الأطراف باتت تستعد للحرب وأعلن البيض الانفصال
عام 1994مما جعل نظام صالح يتجه بدعم إقليمي لمواجهة “الانفصال” وكانت موازين القوى تتجه لصالح فرض الوحدة بقوة السلاح والعنف.
وقد أدار نظام صالح القطرين ، بعقلية اللصوص وقطاع الطرق ، وجمع حوله نخبة انتهازية؛ من القطرين ، مثلت لصالح واجهة لنهب كل ثروات مناطق الجنوب ، وهذا النهب أدى إلى احتقان داخل الجنوب الذي وجد نفسه رهينة كماشة انتهازية هجينة من القطرين !!
مما أدى
إلى تكوّن حراك جنوبي كتعبير سلمي لتحقيق مطالب حقوقية لإنصاف الجنوب في توزيع الثروة والوظائف، لكنه تحول مع تجاهل النظام الحاكم لتلك المطالب إلى حراك ينادي بالانفصال
ورغم أن خلع علي صالح من الحكم نتيجة لثورة (11 فبراير 2011)، مثل فرصة كبيرة لتحقيق مطالب الجنوب في التساوي السياسي وتوزيع عادل للثروات، إلا أن النخب الشمالية كعادتها، فضلت الصراع الخفي المبطن وممارسة التضليل السياسي وخداع جماهير الجنوب بتسليم الرئاسة لرئيس جنوبي والعمل بإصرار على قيام "يمن اتحادي" كحل يرضي الطرفين ظاهريا
وقد حظي بدعم بعض الشرائح الجنوبية إلا أنه مات في مهده !!
والدليل أن أطراف السلطة في صنعاء تواطأت مع الحوثي للاستيلاء على صنعاء وأكملت مسرحية الهروب إلى السعودية من بعض القيادات تطبيقا لمقولة "من فاته اللحم ما فاته المرق" ..أو بالنهار جمهوري وبالليل ملكي .. والجنوب وأهله تعبر عليهم الحيلة دائما مع ذيلها حتى أنهم قاتلوا في الحديدة وتعز ومأرب وصعدة والجوف وعلى نياتهم ودفعوا ثمنا باهظا من خيانات رفاقهم الشماليين الذين يجمعون الإتاوات وينهبون عابري السبيل من والى المنافذ !!
كما فشل المجلس الانتقالي الجنوبي رغم كل الدعم الذي تلقاه من أطراف إقليمية، في إعلان الانفصال كما فشلت مليشيا الحوثي في استعادة الجنوب وفرض الوحدة بالقوة بعد هزيمتها في عدن ..لقد ظلت وستظل خيارات فرض الوحدة بالقوة غير واقعية ويرى العقلاء في القطرين أن تأسيس علاقة شراكة مبنية على حسن الجوار والمصالح المشتركة للقطرين هي الخيار الأفضل للبلدين وطي صفحة الماضي والحروب بين الأشقاء المستمرة منذ عشرات السنين
ليس هذا فحسب بل يجب على القطرين أخذ العبرة والعظة من كل التجارب والحروب والنزاعات المتفجرة في البلدين بسبب تفريطهما في السيادة الوطنية والارتهان لقوى إقليمية وعالمية تحت شعارات وهمية لا تحقق مصالحهما والعمل على إيجاد رؤية مشتركة ترسم آفاق علاقات مستقبلية مع أشقائنا العرب في الجزيرة والخليج كما هي الدول المتحضرة في عالم اليوم كدول الاتحاد الأوربي التي تقيم علاقات المصالح الاقتصادية البينية !!
إن تأسيس ونجاح أي علاقة جوار مشتركة تقوم أساسا على تنمية المصالح المشتركة وليس الهيمنة والتسلط وفرض أجندات مستوردة ومدعومة من الخارج وعلى القوى المتنفذة في القطر الشمالي أن تتخلى عن أجنداتها الخارجية التي تسعى لرهن مستقبل القطرين مقابل الحكم وهي في الأساس تضيع استقلالها وتفقد كرامتها الوطنية وليس أمامنا اليوم من حل إلا بالتراضي وهو العودة إلى دولتين مستقلتين والعبرة والتجربة الناجحة أمامنا ممثلة في الإمارات العربية المتحدة التي رغم توحدها إلا أن كل إمارة لها حكمها المحلي الخاص بها !!
وإن كانت هذه التجربة غير مضمونة في اليمن الذي يفرض خياراته دائما بقوة السلاح وهذا الخيار تم استبعاده وجعل الجنوبيون يتوجسون خيفة من غدر جيرانهم في القطر الشمالي الذين جبلوا على الغدر والخيانة حتى لو أقسموا بأغلظ الأيمان وهم بملابس الإحرام و يتعلقون بأستار الكعبة والركن اليماني !!
د.علوي عمر بن فريد