واجهت البشرية عبر تاريخها العديد من الأمراض والأوبئة، مخلفةً وراءها الضحايا بالملايين، إلا أنّ الفارق بينها ّوبين وباء كورونا هو الرد الجماعي وحالة الاتحاد بين البشر التي افتقدها آباؤنا وأسلافنا بسبب افتقارهم لا للمعلومة ولكن لإيصال المعلومة حول العالم. هذا باعتقادي منجز عظيم من منجزات الثورة الإعلامية في عصرنا الحاضر بحيث تصل المعلومة ٍبلمح البصر إلى أية بقعة صغيرة وقرية نائية في العالم.
أعتقد أنّ الإعلام العالمي بكل أدواته ومنابره الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والعلمية في هذا العصر الذي تعددت فيه عشرات الألوف من المنابر الإعلامية أنتج كماً هائلاً من التقارير والأخبار حول انتشار ڤيروس كورونا، في مدة قصيرة جداً، بحيث استطاع أن يوصل مخاطر هذا الڤيروس إلى حياة الإنسان وكيفية التعاطي الجدّي والمسؤول معه، لدرجة أنه ّأقنع أعتى الدكتاتوريات أن ّالخطر حتمي لا محالة وأن السبيل الوحيد للحدّ من نتائجه الكارثية هو الالتزام بالعمل الجماعي على مستوى العالم بأسره ، بغضّ النظر عن الخلافات السياسية والاختلافات الثقافية والمنافسات العلمية بين مكوّنات الكون قاطبةً. وما الإعلام إلا جزءٌ يسيرٌ من هذه المكنة العالمية الضخمة.
أرى أنّ الإعلام استطاع بشكلٍ من الأشكال أن يدقّ ناقوس الخطر ويوصل فكرة أنّ الابتعاد عن الأماكن الحاشدة والبقاء في المنزل هو الحلّ الوحيد والأمثل للتعاطي مع هذا الوباء.
وفي الجانب السلبي عمل البعض من الناس على نشر وترويج بل وتلفيق العديد من الأخبار الكاذبة لعمل البلبلة وإثارة الشكوك الهدامة في المجتمع مستغلا هذا الفضاء الكوني الواسع لبث سمومه فيه بالرغم من أن المملكة العربية السعودية من أفضل الدول لنشر المعلومات الدقيقة والشفافة المتاحة للمواطنين والمقيمين فيها وقد سهلت الاطلاع للجميع عبر منابرها الإعلامية الرسمية .
بقي أن نذكر أنه من الضرورة بمكان، أن يستقي الإعلام معلوماته وأخباره من المصادر الرسمية ويبتعد عن نشر أخبارٍ غير مؤكّدة واعتبار أي خبرٍ جديد لا يستمد معلوماته من مصادر رسمية لا يعتد به .
إنّ الناس اليوم هم أحوج إلى المعلومة الدقيقة منها إلى التسابق على نشر معلومة كاذبة !!
العالم بأسره في حيرةٍ من أمره من هذا الوباء وأقلّ ما يمكننا فعله في هذه المرحلة المصيرية هو ضخّ الخبر الصحيح والمعلومة الدقيقة في شرايين المجتمع حتى لا يصاب الناس بالوهم من هذا الوباء من خلال نشر الأخبار الكاذبة ولنا في قصة سقراط لعبرة :
استنكر أحد الأطباء على ملك اليونان إطلاق لقب (الطبيب الأول) على سقراط، وادعى أنه أفهم منه. قال الملك لسقراط: إن هذا الطبيب يدعي أنه أعلم منك ، وبالتالي أنه يستحق اللقب.
قال سقراط: إذا أثبت ذلك فإن اللقب سيكون من نصيبه.
قال الملك لسقراط: كيف تشخـّص الأعلمية؟
أجاب سقراط: أيها الملك ، سل الطبيب عن ذلك فإنه أدرى بالدليل.
قال الطبيب: أنا أسقيه سم، وهو يسقيني سم ، ومن لا يستطيع إخراج السم من جسده و يموت فهو الخاسر.
قبل سقراط هذا النوع من التحكيم، وحدد يوم النزال بعد أربعين يوماً .. انهمك الطبيب في تحضير الدواء السام ، في حين استدعى سقراط ثلاثة أشخاص وأمرهم أن يسكبوا الماء في مدق ، وأن يدقوه بقوة واستمرار ، وكان الطبيب يسمع صوت الدق بحكم جواره لبيت سقراط.
وفي يوم الأربعين حضر الاثنان بلاط الملك ... سأل سقراط من الطبيب : من يشرب السم أولا؟
قال الطبيب: أنت يا سقراط.
وأعطى الطبيب مقداراً من السم ، وبعد أن ابتلع سقراط السموم تناول ما يزيلها ، فأخذت الحمى مأخذاً من سقراط وعرق كثيراً واصفر لونه ، ولكن بعد ساعة قد أخرج السم من جسده.
توجه سقراط إلى الطبيب قائلاً: أمـّا أنا لن أسقيك السم لأن شفائي دليل على أعلميتي.
أصر الطبيب على أن يشرب السم ، وفي وسط إلحاح الحضور بما فيهم الملك على سقراط ؛ أخرج قنينة ، وسكب نصف ما فيها في إناء ، وأعطى سقراط القنينة للطبيب... تناول الطبيب ما في القنينة، وبعد لحظات هوى صريعاً إلى الأرض.
توجـّه سقراط إلى الحضور ، وقال: كنت أخاف ذلك عندما امتنعت من إعطاءه.
ثم توجه إلى الملك وقال: إن الذي شربه الطبيب لم يكن سماً ، وإنما كان ماء عذباً، والدليل على ذلك أنني سأشرب وأنتم ستشربون.
وعندما سئـل عن سبب موت الطبيب ، أجاب سقراط : إنه هوى صريعاً لإيحائه النفسي حيث كان يعتقد أن ما تناوله سم ، خصوصاً بعد أن سمع طيلة أربعين يوماً أصوات الدق!!
وأخيرا أتمنى من الذين يروجون الشائعات والأخبار الكاذبة ويشيعون الذعر والوهم في المجتمعات أن يتقوا الله و يكفوا أذاهم عن الناس!!
د.علوي عمر بن فريد