لك الله يا عدن يا ربة السحر والجمال وعروس المدن أين كنت بالأمس وأين أصبحت اليوم ؟!!
كانوا يسمونك في الستينيات أيام الاستعمار البريطاني "هاف لندن "..كان شارع المعلا أطول شارع في الشرق الأوسط ...وميناؤك ثالث ميناء في العالم ترسو فيه السفن التجارية والسياحية العملاقة من أمريكا حتى استراليا.
وعندما كنا نزور عدن في الإجازات ونهاية الأسبوع الدراسي ونحن طلبة في مدرسة زنجبار الوسطى ..كنا نشعر بالفخر ونحن ندخلها وكان الطالب حينذاك يتكلم الانجليزية بطلاقة مع الضباط الانجليز ومع السياح لا يمسكه إلا لسانه !!
واليوم ما الذي حل بك وماذا دهاك يا عدن من عاديات الزمان ؟؟!!
لقد تأثرت عندما رثاك بحزن وأسى واحد من أبنائك هو أستاذنا الغيور والوطني المخلص نجيب يابلي في مقال يفلق الصخر يرثي فيه الحالة التي وصلت إليها يا عدن وما طالك من تعديات حيث لم يترك فيك العابثون سهلا ولا جبلا ولا شواطئ وحتى المرافق العامة لم تسلم من قبل محدثي النعمة وسماسرة بيع الأوطان واللصوص وشركاؤهم النار فذون بسلطة الأمر الواقع المتسللون كالعنكبوت من خارج عدن في غياب تام لسلطة القانون والقضاء والعدالة وفي ظروف الحرب وغياب تام لأي سلطة وطنية شريفة تحمي عدن من هذا العبث الذي طال كل شبر فيها !!
وينطبق اليوم على عدن المثل القائل " حل الأرض غير أهلها " أي سكن وبسط فيها الوافدون من الأرياف من غير أهلها !!
وكما قال الأستاذ يابلي:
(الثقافة السائدة التي يفرضها الوافدون على عدن والذين أقاموا فيها وبسطوا على أرضها وجبلها وساحلها وأقاموا فيها منازل عشوائية وباعوا مساحات أخرى لتمويل مشاريعهم العدوانية المخالفة للقانون بل والمحمية من المتنفذين لان الباسطين والمشتريين لا ينتمون لعدن حتى وان كانوا من مواليدها لان أرجلهم واقعة على ارض مرابع القبيلة وثقافتهم غير مدنية حتى وان كانوا مقيمين في عدن )!!!
وأنا هنا أضم صوتي إلى صوت الأستاذ يابلي بل وقد أذهب بعيدا ويجنح بي الخيال إلى درجة أن أقول :" أن على من لا يملك أرضا أو وثيقة رسمية من سلطات عدن قبل عام 1967م لا يعتد بما يملك فهو لا يستحقها بعد هذه الفترة لأن النهب قد طال عدن منذ أعمال تأميم ممتلكات أهالي عدن!!"
بدأ في السبعينات إبان الحزب الاشتراكي ثم في الاجتياح الشمالي لعدن عام 1990م ثم بعد الغزو الثاني للحوثيين عام 2015م وحرم أهالي عدن وسكانها الأصليين من أملاكهم منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا !!
وللأسف الشديد طال عدن من السطو والنهب والعبث من سكان الأرياف الجنوبيين أكثر مما قامت قوات الغزو الشمالي !!
وأنا هنا سأورد ما ذكره أستاذنا اليابلي عن صعوبة الحصول على الأراضي في عدن أيام الاستعمار البريطاني لكي نكون منصفين وما حدث للشيخ محمد فريد العولقي وزير الخارجية الاتحادي في الستينات حرفيا :
(كان لحصول الشيخ محمد فريد العولقي، وزير الخارجية الاتحادي على قطعة أرض في عدن حكاية سيصعق لها من يقرأها هذه الأيام، حيث استغرب المندوب السامي البريطاني عندما علم من الشيخ محمد بأنه يسكن عمارة الكاف (العمارة الخضراء) بالمعلا وأنه حتى لا يملك قطعة أرض ليبني عليها مسكنا، فأوصى بقوة منحه قطعة أرض وطال انتظاره لست سنوات، حيث حصل عليها عام 1967م ورغب في بناء مسكن له وكانت تحويشته تقل عن 300 ألف شلن فنصحه الشريف حسين بن أحمد الهبيلي وزير الداخلية الاتحادي بأن يصرف النظر عن البناء لأن بريطانيا قررت التخلص منهم وأن هذا المبلغ سينفعه للطريق وفي الاستقرار في أي بلد عربي مع أفراد أسرته.. وتحققت كل قراءة الشريف الذي كان الشيخ محمد فريد العولقي والعميد محمد علي باشراحيل يريانه بأنه كان في مستوى دهاء وحنكة الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز, يفيد الشيخ صالح فريد شقيق الشيخ محمد في شهادته للتاريخ: «مساكين سلاطين الجنوب.. لقد فضحهم الرحيل الأخير.. كان الشريف حسين أسعدهم حالا.. أما البقية فقد كانوا بائسين.. كان أبو طه موجودا في مطار جدة عند وصول السلطان فضل بن علي العبدلي وحاشيته الكبيرة.. أبو طه من الوهط لكنه غادرها في الأربعينات من القرن الماضي وكان يدير أعمال ولي العهد آنذاك خالد بن عبد العزيز، رحمه الله وكان أبو طه يملك سوبر ماركت كبير.. فأخذهم إلى أحد قصور الملك خالد المهجورة وأسكنهم هناك وكان ينفق عليهم من السوبر ماركت، لأن السلطات السعودية بدأت تلتفت إليهم بعد مرور ستة أشهر, أما أسرة آل فريد فلم يملك أفرادها إلا مبالغ ضئيلة لا تكاد تذكر (في الحد الأدنى ستة آلاف وفي حدها الأقصى عشرة آلاف شلن) ولولا لطف الله بأن سخر الشريف حسين لنصيحة النجل الأكبر للشيخ فريد بن محسن ( الشيخ محمد فريد) بأن يحافظ على ماله لعاديات الزمن لكان الله وحده أعلم بما كان سيحدث لهم).انتهى.
وهنا أقول لهؤلاء الذين يعيشون في الوهم ويوهمون السذج من البسطاء أنهم بأفعالهم المشينة هذه يستطيعون استعادة الجنوب أو يؤسسوا لقيام دولة فيه فهم والله كاذبون وواهمون فاللص يبقى لصا والسمسار لا يرتقي وسيبقى سمسار و الربح لديه أغلى من الكرامة!!
وأنا هنا أضم صوتي إلى صوت الأستاذ يابلي وأنا العبد لله الذي لا يملك مترا مربعا في عدن حتى اليوم ولا زلت أعيش في الخارج مستور الحال ورغم ذلك لم أدخل في مزايدات وسباقات الولاء والطاعة لا لحزب ولا لفرد ولا قبيلة وولائي لله ثم لوطني الجنوب ،ولاشك أن ما يجري في عدن يؤلمني أشد الألم فهي حاضرة الجنوب ودرة المحيط وسنديانة الوطن .
د. علوي عمر بن فريد