الحروب تشعل الكراهية !!

2020-03-05 19:24

 

تعد صناعة الكراهية واحدة من الأدوات المؤثرة في إشعال الحروب النفسية لتفتيت البنى الاجتماعية للدولة. فإذا كانت الحروب العسكرية تستهدف الوجود المادي للإنسان، فإن الحروب النفسية تستهدف الوجود المعنوي له من خلال التأثير في آراء وسلوك المجتمعات المستهدفة.

وتتمثل أهم وسائل صناعة الكراهية اليوم في اليمن في نشر الأكاذيب، والتلاعب النفسي، وتزييف الحقائق، وتزوير الواقع، وهذا ما يؤدي إلى التغذية بالكراهية، وتوفير البيئة الفكرية والعقائدية الحاضنة للعنف، والإرهاب. ويمكن تقسيم أنواع الكراهية إلى كراهية اجتماعية، وثقافية. وتعد الكراهية الدينية أخطر الأنواع، ويقصد بها ذلك النمط الذي يتصل بالمجال الديني، ويتحدد به. بينما تنشأ الكراهية الاجتماعية نتيجة أسباب نفسية، تنبع من الأوضاع السياسية، أو الاجتماعية، كما تعد الخطابات الوطنية، والدينية، والسياسية المتشددة مصدرا لنشر الكراهية الثقافية وهو ما يحدث اليوم في اليمن ولم يتوان الغرب عن استحداث طرق وأساليب حديثة للسيطرة على مقدرات الأمم، حيث أسهمت ثورة المعلومات والتكنولوجيا في تطوير أساليب، ووسائل الحروب، حتى أصبحت الحرب باستخدام القوى الناعمة soft power أفضل الطرق للسيطرة على عقول، وقلوب، وثروات الدول، خاصة الدول العربية. فجاءت دعوة الغرب لنشر الديمقراطية كمدخل لاحتلال العراق 2003، ثم الدعوة إلى التغيير عقب ما يسمى بالربيع العربي بعد عام 2011، الذي كان من أهم نتائجه انتشار الفوضى، وإثارة النعرات الطائفية، والعنف، والإرهاب في المنطقة.

طرق المواجهة !!

يعكس الوضع المضطرب الذي تعانيه المجتمعات العربية خطورة صناعة الكراهية، والحروب النفسية التي تشنها القوى الاستعمارية لاستنفاذها، والتأثير فيها سلبيا، وضرب استقرارها، واستغلال مواردها، وضمان الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية، ما يفرض على الدول العربية التعاون لمواجهة هذا النوع من الحروب ويستوجب هذا الوضع على الدول العربية كافة ضرورة توافر إستراتيجية قومية عربية موحدة ضد العنف، والتطرف، والإرهاب لإرساء قيم التسامح، والعفو، وتعزيز فكرة الانفتاح على الآخر، وغرس القيم والسلوك الإيجابي. ولتكن القواعد التي أرساها "جون لوك" ضوابط من يتعداها لا يمكن التسامح معه. كما يجب الاهتمام بالمواطن العربي، وتثقيفه، وتوجيهه إلى قضيته الأساسية. أيضا، يجب على الدولة أن تعمل على تجديد الخطاب الديني ليتواكب مع مستجدات العصر. كما تستوجب محاربة الكراهية إزالة مختلف أشكال التمييز، وإرساء الأسس الداعمة للهوية الوطنية، وحث المواطنين على رفع راية الوطن، ما يعزز حس المسؤولية الوطنية لديهم، فضلا عن سن تشريعات وقوانين فعالة لمكافحة

التمييز والكراهية ويرى المحلل السياسي اليمني، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء البروفيسور عادل الشرجبي : "أن الصراع الدائر في اليمن اليوم هو نتيجة "صراعات إقليمية حولت بعضاً من أتباع المذهبين من الزيدية إلى "الاثنا عشرية"، ومن الشافعية إلى "السلفية". ويضيف الشرجبي بأن هناك أيضاً عوامل محلية مرتبطة بمراكز النفوذ على السلطة والثروة هي التي أججت الاستقطابات المذهبية، ووظفتها للحشد والتعبئة لمشروعها، كالتحالف السابق الذي كان بين (عبد الملك الحوثي، والرئيس السابق علي عبد الله صالح) من جهة، والتحالف القائم حاليا بين (اللواء علي محسن الأحمر مع جماعات الإسلام السياسي السلفية)، وهما تحالفان يصبان في الهدف نفسه!!"

ونحن نقول : في اليمن لا زالت العقدة التاريخية تسكن في عقول سكان الهضبة الزيدية أنهم يتفوقون جينيا وعرقيا على سائر سكان اليمن في السهول والسواحل استنادا إلى أنهم تاريخيا حكموا اليمن بالبطش أكثر من ألف عام !!

ولا زالوا مسكونين بالفوقية ونقاء العرق والسلالة وأنهم من فصيلة الدم الأزرق وهم وحدهم ظل الله في الأرض وأن من حقهم حصرا حكم اليمن !!

إنهم لا يقبلون بحاكم لا ينطق الجيم مثلهم ولا يسبل في الصلاة ولا يؤمن بعد الفاتحة ولا ينطق الدال طاءا مثلهم ، ولا يتمنطق بالجنبية كما يلبسونها ،ولا يتقن ا لزامل مثلهم ،أو يرقص البرع كما يفعلون فهم يسفهونه ولا يعتبروه يمنيا بل هو من سلالة وضيعة ودخيلة على اليمن !!

وأنا كمواطن أعتز بهويتي وأرضي التي ولدت على ثراها ولدت في مدينة الصعيد وسط منطقة العوالق ، نشأت في بيئة قبلية مدججة بالسلاح شحيحة العلم والموارد ،وبالكاد يقرأ بعض رجالها الخط العربي ..يخيم عليها الجهل وتسودها الأمية كان ذلك في مطلع الخمسينات من القرن الماضي ورغم ذلك كله كانت تحكمها أعراف وأسلاف قبلية صارمة وتعتبرها دستورها ومرجعيتها و لكافة قبائلها ، كانت تجرم الجاني والقاتل والفاسد والمجرم وتطرد هم من بيئتها وتحمي الضعفاء وتقتص من الظلمة رغم جهل قبائلها إلا أن أحلامهم كانت تزن الجبال و لديهم قيم وشيم ومبادئ يعضون عليها بالنواجذ و لا يخونون ولا يغدرون .

كان التعايش هو السمة السائدة بين القبائل رغم الحروب التي كانت تحكمها قوانين صارمة بعدم الإسراف في القتل بدواعي الانتقام وكانت القبائل لا تفرط في كبارها وحكمائها ولا في خيرة فرسانها حتى لو أصبحت في مرمى أهدافها وتدخرهم للمواقف الصعبة للقبيلة وتلجأ إليهم عند الحاجة !!

كانت بريطانيا تسيطر على عدن أما باقي المناطق الجنوبية فليست لها سوى سلطة اسمية عليها ، ولم يكن لها وجود فعلي فيها إلا أقل من 25 عاما ، وكان الجنوب منذ زمن طويل جدا عبارة عن إمارات صغيرة غير موحدة الرؤية ..ثم جاء الاشتراكي ووحدها بقوة السلاح وحكمها بالحديد والنار ودمر بنيتها القبلية والاجتماعية والدينية و زادها تمزقا وتفتتا وأشعل فيها نار الكراهية و المناطقية والقبلية المغلفة زورا برداء الدولة المنخورة بشعارات الشيوعية الدخيلة حتى التهمت البلاد نيران الحقد والغضب ودمرت الدولة الوليدة في أحداث 1986م وانقسم حكامها على أنفسهم وساقوا الجنوب أرضا وإنسانا إلى زرائب صنعاء ولم يخرج منها حتى اليوم !!

أصبح الوطن بالنسبة للمواطن الجنوبي الذي رحل من الجنوب أقرب إلى المستحيل بعد أن تشردنا في المنافي في أصقاع الأرض !!

أتمنى أنا وآلاف غيري من أبناء الجنوب أن أعود إلى وطني وأعيش فيه لا فرق عندي بين عدن والصعيد أو لحج أو حضرموت أو أبين ..أحلم أن آخذ أولادي قبل أن أموت إلى بلادهم وأتنزه معهم على شواطئ ساحل أبين في خور مكسر أو جولد مور في التواهي أو البريقا ..أتمنى أن آخذهم في نزهة إلى الصهاريج في عدن ..وأن أتناول العشاء معهم في واحد من مطاعم صيرة المشهورة بوجبات السمك ..ثم أشتري لهم ملابس العيد من أسواق كريتر ...وأصلي معهم صلاة العيد في مسجد أبان ثم أذهب بهم إلى بستان الحسيني بلحج الخضيرة !!

لا زلت أحلم بأن أقود سيارتي وسط شوارع خور مكسر في الليل وأنا آمن على نفسي ..أو أسهر عند أصدقائي في المعلا أو المنصورة دون أن يترصدني أحد .

فهل هذا ممكن في ظل هذه الفوضى والاغتيالات والملاحقات ؟؟!!

أعتقد أن كل تلك الأماني البسيطة أصبحت من المستحيلات ..بعد أن سرق اللصوص الأراضي السكنية والمساحات المباعة على الأهالي ولم يكتفوا بذلك بل سرقوا ماضينا وحاضرنا ومستقبل أولادنا ..لقد سرق المتنفذون كل شيء وسلبوا أفراح الوطن وقتلوا الأمن والسكينة في قلب المواطن البسيط في ربوع اليمن بأسره .لقد حولوا أفراحنا إلى مآتم ..وسقط عشرات الألوف من الأبرياء دون ذنب جنوه ،

وقتل الآلاف منهم في هذه الحرب القذرة وبقيت جثامينهم في الشعاب والوديان حتى شبعت منها الطيور والغربان ولم يدفنهم أحد، حتى أهاليهم لا يعرفون مصيرهم حتى اليوم ، ولا زالت الحرب تطحن اليمن منذ أكثر من خمسين عاما متواصلة ولم يخلفوا لنا غير الأحقاد والكراهية والسؤال هو : أما لهذا الليل من آخر !!؟؟

د.علوي عمر بن فريد