أسئلة كثيرة تطرح نفسها : هل السبب هي الحوثية الطائفية وقناديلها الذين يريدون الهيمنة على مقدرات الشعب اليمني ؟ أليست الحوثية هي التي تحاول استعادة ملك السادة الذي أسقطه الشعب اليمني بعد ألف عام ؟!
هل هي القوى القبلية اليمنية المتحالفة مع العسكر التي هيمنت أكثر من ثلاثة عقود على مقدرات الدولة اليمنية ؟!! أليست تلك القوى هي من تآمرت ووأدت تجربة إبراهيم الحمدي ؟!! أليست الأحزاب السياسية وعلى رأسها حزب الإصلاح هي من أختطف الثورة الشبابية ؟!! أليست تلك القوى هي من أوصلت الدولة اليمنية شمالا إلى مرحلة الانهيار ؟!!
هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها المفكر عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن جابر بن خلدون الحضرمي، وهو أحد أشهر المؤرخين، ورواد علم الاجتماع الحديث، الذي لا يزال أثره ممتدًا حتى يومنا هذا، ولد بتونس عام 1322م، الموافق شهر رمضان 732هـ، وعاش في الجزائر، إذ تنحدر أسرته من أصول عربية، والتي هاجرت إلى تونس قادمة من اشبيلية في الأندلس وما ذكره ابن خلدون كأنه يعيش معنا اليوم ويشخص الوضع في اليمن ويقول: في كتابه (المقدمة) والتي تناول فيه دور القبيلة في عدة نقاط منها :
- إنّ القبيلة إذا قوي سلطانها ضعف سلطان الدولة، وإذا قوي سلطان الدولة ضعف سلطان القبيلة.
. الهوية القبلية المبنية على البداوة تعرقل استقرار الدولة.
- الخوف يُحيي النزعات القبلية والمناطقية والطائفية، والأمن والعدل يلغيها.
- إن الرخاء والازدهار والأمن تساهم في الحدّ من العصبية، بينما الحروب والخوف والفقر (البطالة) تعزّز من العصبية.
- كلّ أمر تُحمل عليه الكافة فلا بُد له من العصبية (القبيلة والنصرة) ففي الحديث ما بعث الله نبياً إلا في مَنَعة من قومه.
- أهل البدو أقرب إلى الشجاعة من أهل الحضر، والسبب في ذلك أن أهل الحضر ألقوا جنوبهم على مهاد الراحة والدعة وانغمسوا في النعيم والترف ووكلوا أمرهم في المدافعة عن أموالهم وأنفسهم إلى واليهم .
- أن سبب العصبية القبلية بأن الحضارات الأخرى تصعب عليها مخالطة الأعراب بسبب البيئة القاسية التي يعيشونها فجعلهم ذلك منعزلين.
- الصراعات السياسية لا بدّ لها من نزعة قبليّة أو دينية، لكي يُحفّز قادتها أتباعهم على القتال والموت، فيتخيّلون أنّهم يموتون من أجلها.
وبقراءة موضوعية لدور القبيلة اليمنية تاريخيا نجد أنها كانت الهرواة الغليظة التي أستخدمها حكام اليمن عبر التاريخ لسحق كافة مكونات الشعب اليمني بما فيها القبائل التي تخرج عن طوعهم و اتبعوا معهم سياسة (فرق تسد).
- وقد شكلت القبيلة اليمنية عبر تاريخ الدولة الحديثة وقبلها، أهمية كبيرة نظرا لتداخلها مع النظام ومؤسسات الدولة، حيث كانت تلعب دورا رئيسيا في صناعة القرار السياسي مع أنها لا تمتلك رؤية للتحول الاجتماعي إلا أنها تمتلك تأثيرا في معارضة أو وقف كل قرار يتعارض مع مصالحها.
وقد برزت تلك الظاهرة عند اندلاع ثورة 26 سبتمبر عام 1962م حيث انقسمت القبيلة الواحدة إلى قسمين :قسم ملكي ،وقسم جمهوري ، والطرفان متفاهمان سرا والمصلحة بينهما مناصفة ..ولا مانع أن تكون القبيلة ملكية ليلا وجمهورية نهارا
أما المبادئ والشعارات يبيعها الإعلام للسذج والبسطاء والمثاليين فهم وحدهم من يصدقها ..كما كانت الجماهير العربية تنام وتصحو على (صوت العرب ) عبر الأثير على صوت أحمد سعيد!!
واليوم أقل ما يوصف به المشهد اليمني بأنه دراماتيكي سريع تتراجع فيه الدولة ككيان، وتهدد الجمهورية كنظام، كما أن الوحدة الجغرافية التي عرفها اليمن بين شطريه الشمالي والجنوبي في مايو عام 1990 أصبحت الوحدة فيه منهاره بعد أن كشرت القوى المتنفذة شمالا عن أنيابها وهمشت شعب الجنوب بكامله ليس من ثرواته الطبيعية لا بل منعته أن يكون شريكا في الحكم والمصلحة التي تنبع من بلاده !ّ!
وتحول الصراع إلى شمال وجنوب ، ثم أصبح الصراع بعد 21 سبتمبر 2014 بين الدولة اليمنية والمليشيا الحوثية التي انقضت على الدولة وعملت على إداراتها وتفكيكها، وإعادة تركيبها في المرحلة الراهنة دون أفق سياسي، مكتفية بواجهة سياسية تختفي وراءها العصبة الدينية والمليشيا المسلحة.
القبيلة في الجنوب :
رغم التواجد البريطاني المحدود في سلطنات وإمارات الجنوب خلال الخمسين عاما التي سبقت إنشاء (اتحاد الجنوب العربي ) ونتيجة لشظف العيش والصراع الداخلي بين الحكام وبعض القبائل حول المصالح تمردت بعض القبائل الجنوبية في الوقت الذي فتحت فيه اليمن ذراعيها لاحتواء تلك القبائل من قبل الإمامة أولا ثم السلطات الجمهورية لاحقا وحاولت تزييف وعيها التاريخي والسياسي لتكون أداة طيعة في يدها لإشعال الحرائق هنا وهناك وإثارة القلاقل ضد بريطانيا والإمارات الجنوبية رغم إعلان بريطانيا الانسحاب من شرق السويس بعد حرب 1956م ومنها الجنوب العربي وسبقت ذلك بترسيم الحدود باتفاقية عام 1934م والاعتراف الرسمي بها بين اليمن والجنوب العربي.
إلا أن حكام صنعاء بعد سبتمبر عام 1962م عملوا جاهدين على تشكيل التنظيمات المسلحة مثل :الجبهة القومية التي كانت تدعو إلى يمننة الجنوب في ميثاقها حسب رغبة حكام الجمهورية الوليدة في صنعاء!ّ!
ورغم وجود رابطة الجنوب العربي منذ منتصف الخمسينيات في القاهرة وجدة وصنعاء إلا أنها لم تتنازل عن هوية الجنوب العربي ولم ترضخ لضغوط حكام صنعاء .. ومضايقات القاهرة التي أغلقت مكتبها ،ونقلت نشاطها إلى المملكة العربية السعودية .
وسرعان ما وجد حكام صنعاء ضالتهم التي كانوا يبحثون عنها في أحد أعضاء الرابطة الذي أنشق عنها ( قحطان الشعبي )
واستغلت الأجهزة المصرية واليمنية الحادث الذي قتل فيه راجح لبوزه وأعلنوا قيام ثورة 14 أكتوبر عام 1963م !!
وسخرت صنعاء ذلك التنظيم لسفك الدم الجنوبي لأول مرة حتى أصبح العنف الدموي واحد من أهم ركائز التنظيم وازداد غطرسة وغلوا بعد أن سلمته بريطانيا حكم الجنوب وشب نار الحروب الأهلية الجنوبية والاغتيالات مرورا بمحطات دموية عديدة انتهت بمذبحة 13 يناير عام 1986م التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير(ظهر الجنوب ) والتي أدت إلى سقوط الدولة الجنوبية .
بقلم : د. علوي عمر بن فريد