بين النّرجسيّة وجَلْد الذّات هُوّة عميقة تهوي في غياهبها الشَّخْصيَّةُ العربيَّة، فمنذ نعومة أظافرنا، نشأنا على الفخر والاعتزاز بالقوميَّةِ العربيَّة، وعلِّمنا مدرِّسونا في المدارس التَّغنِّي بأنَّنا أصحاب تاريخ وأمجاد وحضارات، و ساقنا دعاة النَّرجسيَّة عبر وسائل الإعلام حتى ظنَّنا أنَّنا أفضل شعوب الأرض قيمًا وخُلقًا، لكن على الجانب الآخر كانت تقف مطرقة النَّقد لتُحطِّمَ هذه النَّرجسيَّة الزائفة على صخرة الواقع، ونكتشف أنَّنا لا نملك سوى أطلال الماضي ونرى أنه لا يحق لنا حتى التغني بالماضي ما دُمنا لا نملك الحاضر، وبين هذا وذاك يجد الإنسان العربيُّ نفسه يعيش حالةً من الازدواجيَّة، ، ومَنْ يتظاهر بالتَّقوى ويأمر بالمعروف يؤلم ذاته المعذَّبة باقتراف المنكر، ومن يتغنَّى بالعدالة والأهميَّة القصوى لمصلحة الشعب، لا يعنيه سوي كرسي البرلمان..........
وأصبح الإنسان العربيُّ هو هو من المحيط إلى الخليج له نفس أسلوب التفكير ونفس طريقة العيش، بكل فئاته وطوائفه، ونفس ملامح الشَّخصيَّة بأوجهٍ مختلفة من بلد لآخر.
أصبحنا ننزوي بعيدًا في الخفاء لنبكيَ بكاءً مرًّا على واقعنا الأليم ونعودَ لنجلد أنفسنا، والسؤال هو: هل العيب فينا أم في مجتمعنا؟ في فكرنا أم في ثقافتنا؟ في تخاذلنا ؟ أم في لهثنا وراء رغيف الخبز؟ أم في مَنْ سرقوا ونَهبوا خيرات بلادنا دون رقيب أو حسيب؟
ورغم تباهينا وتفاخرنا بأنفسنا، نموت غرقًا في البحار المؤدية إلى أوربا من أجل الفوز بالعيش في جنتهم المزعومة ومن وصل منا بسلام لا يجد أمامه إلا الكراهية والعنصرية أو القتل كما حدث في نيوزيلندا !!
والسبب لأننا نفقد الثقة بأنفسنا، فالعربي لا يثق في أخيه العربي!!
ألسْنا رغم العنجهيَّة الزائفة نجلد ذواتنا بأيدينا؟
وهل سنظلّ على هذا الحال دون سعي حقيقي للتَّغير؟ إن كنتُ أتفاخر أمام العالم بأسره بأنني عربي، فما هي قيمتي وما هي رسالتي؟ إن كنتُ أتباكى من نظرة الآخرين الدونيَّة لي،!!
فماذا فعلت حتى أثبتَ لهم عكس ما يظنّون؟ إن أردتُ أن أغيِّر نظرتهم فبالأولى أغيّر نفسي، أنهض من الخمول وأنفض تراب السّلبيّة، أرعى الحق وأسلك بالأمانة دون أن أُسقِطَ فشلي على المجتمع والآخرين.
فالمجتمع لن يتغيَّر ما دام كلٌّ منّا لا يملك سوى لسان يلوم ويشجب ويستنكر، دون أن يملك عقلاً مبدعًا مفكرًا يُخْرِجُ من المشكلة حلولاً، ومن الفشل نجاحات، وما دام كلٌّ منَّا يضع الحواجز والحدود ، إنها دعوة اليوم لنتغيَّر ونقبل الآخر مهما كان الاختلاف حتى يتغيَّر واقعنا ويصير مجتمعنا أفضل.
ونحن أصحاب حضارة عظيمة ضاربة في أعماق التاريخ الإنساني رغم أن العديد من
الدول العربية ما زالت تعاني منذ سنوات طويلة من ويلات الحروب فلا تكاد تهدأ حرب حتى تبدأ حرب أخرى وكأنه مكتوب على هذه الأمة أن تعيش بظل الحروب مدى الدهر.ومع ذلك كله
فالوطن العربي يزخر بكل الخيرات التي تتمناها أية دولة أو تحالف دولي، فنجد لدى دول العرب شرقا النفط والغاز ونجد لدي الشمال المياه والأراضي الخصبة ونجد بالغرب الأيدي العاملة والأراضي الشاسعة ذات الطبيعة الخلابة بالإضافة للأراضي الخصبة والمؤهلة لزراعة ما يكفي من تغذيه كل شعوب البلدان العربية،
ونجد الوطن العربي يتحكم بأهم الممرات المائية التي تعتبر شرايين الملاحة البحرية. مع توفر كل تلك المقومات إلا أننا اتفقنا أن لا نتفق، فبعد أن شبعنا من الهجوم على الأعداء الخارجيين نجد أننا بدأنا نمزق أنفسنا بأيدينا!!
فهذه لبنان كانت لسنوات بحرب أهلية أطرافها هم ذاتهم وها هي العراق وليبيا وها هم أطفال اليمن يموتون يوميا بسبب انقسامات و معارك وخلافات لا يفقهون منها شيئا، !! ما الذي نريده نحن العرب؟ هل نحن شعوب أبينا أن نعيش بهدوء أم شعوب ابتعدنا عن تعاليم ديننا الإسلامي السمح ؟ هل نحن شعوب أضعنا البوصلة الحقيقية من حب وولاء للأوطان والأرض وأصبحنا نقدس رموزاً ونسير وراءهم من دون أي فكر وعقل يذكر؟!
. عشنا منذ الطفولة وهم يعلمونا أن نتغنى بالماضي وكيف كنا ولكنهم تناسوا أن يبلغونا أن الماضي كان ليس بالبياض الذي تغنوا وتغنينا به بل به العديد من المآسي والدماء التي تم إسالتها لنفس الأطماع المتوفرة الآن وإن تغيرت المادة!!
نحن لن نتطور ونعيش بسلام إلا إذا بدأنا نوجه عقولنا وطاقتنا نحو بناء الإنسان العربي وبناء الوطن بدلا من توجيهها نحو بعضنا البعض ؟!
والتركيز على اختلافاتنا التي لو استغليناها بشكل حكيم لأصبحنا أفضل الأمم و بعقولنا وليس بنفطنا!!
. اتقوا الله بشعوبكم وبنا واتركونا نعيش بسلام مع بعضنا البعض بعيدا عن طموحاتكم وحروبكم الجاهلية وأطماعكم أيها الساسة!!
وفي اليمن اليوم يعود الناس لماضيهم حين عجزوا عن صنع حاضرهم..
فهم أكثر شعوب الأرض تغنياً بالماضي ..
والهروب للماضي دليل عجز وفشل في صنع الحاضر..
وكذب من قال أن من ليس له ماضي له ليس له حاضر وإلا إذ آ أين هو ماضي اليابان وسنغافوره وماليزيا ونيوزيلندا ؟؟
وأين هو ماضي أمريكا وكندا وأين حاضر تلك الدول المشرق اليوم ؟!!
وأين حضارة مصر الفرعونية القديمة التي لا زال
المصريون يتغنون بأهرامات الفراعنة حتى اليوم ..لأنهم عجزوا عن بناء نصف أبراج صحراء دبي أو ربع ناطحات سنغافورة !!
لم يقف الصينيون خلف سورهم العظيم بل وصلوا بإبداعاتهم الصناعية والتجارية إلى كل من يسكن على وجه هذه الأرض!ّ!
بينما عجز اليمنيون عن إضافة شيء في حاضرهم فلجئوا إلى تمجيد أطلال ماضيهم من حضارة سبأ وحمير وفي الوقت نفسه يشنون الحروب والغزوات على بعضهم البعض كل يوم ثم يعودون يمضقون القات وهم متكئون على وسائدهم في مقايلهم حتى أصبح نصف الشعب بلا أسنان وكبارهم بلا ضمائر !!..
والسماسرة منهم لا زالوا يحفرون المقابر ومدافن الآثار ليسرقوا التاريخ وفي الصباح يتغنون به دون شعور بالخجل وهو يمثل شرفنا وقد باعوه ويصرون أنهم أصل العرب فكيف تجتمع الصفات العربية النبيلة مع أخلاقيات لصوص المقابر؟؟!!
د. علوي عمر بن فريد