الفوضى التي تعم العالم العربي، الذي لم يعد عربيا، لا تقتصر على ميدان السياسة والحرب بهدف تفكيك الأوطان القائمة، بل هي فوضى تهدف للتشكيك بهوية المنطقة وبشرعية وجود الدول وبالأيديولوجيات الكلية الجامعة كالإسلام والعروبة وحتى الديمقراطية . إنها فوضى أدت لأثننة وتذرّر العالم العربي بمكوناته البشرية وهوياته الجامعة، وكأنها تروم أن تقول للعرب وللعالم بأن العرب والعروبة والقومية العربية مجرد أكذوبة ووهم، وأن الإسلام ليس دين توحيد وتسامح وبناء حضارة بل دين حرب وإرهاب وخراب ودمار، وأن العرب غير مهيئين للديمقراطية بل إن بنية العقل العربي لا تستقيم وتتوافق مع استحقاقات الديمقراطية ، وإن عقلية عرب اليوم امتداد لعقلية عرب عبس وذبيان وحروب داحس والغبراء، وحروب اليوم امتداد لمعارك الجمل وصفين وكربلاء.
أن العرب ومنذ استقلالهم لم يعرفوا يوماً السلام بالشكل الحقيقي، فمنذ عصر الكيانات العربية المتتابعة لعصر الاحتلال العثماني واحتلال دول الحلفاء والمحور لهم حتى استقلالهم وبدأهم لحروبهم الخاصة، التي سقط خلالها ملايين الضحايا وخلفت ملايين الجرحى ومرضى نفسيين وأشخاص حاقدين، فلم تستطيع الأجيال العربية الناشئة التعرف على ثقافة السلام الحقيقة وحتى أنها لم تذوق طعمه.
العرب يأكلون لحوم بعضهم البعض، داخل أوطانهم، وفي المحيط من حولهم، الأقرب فالأبعد... صار العربي يطلب الانفصال عن شريكه في الوطن، وينزع عنه الهوية التي تجمعه به حتى لا يؤخذ بجريرتها. صار العربي عدو العربي، داخل الوطن المعني أو خارجه.!!ّ
ومن الأمثلة على ذلك التراشق بين كويتي وسودانية ،ويخجل العربي أن يورد نصه لما فيه من إساءة وتجريح لبعضهما واكتفيت منه برؤوس أقلام وجاء فيها :
.(قال الكويتي سعود مطلق السبيعي في تغريدة عبر "تويتر": "ثورة الكسالى في السودان لن تنجح، فالجماعة تعودوا على الانقلابات العسكرية لأنها لا تكلف جهدا ومشقه)
وردت السودانية نسرين يسري على المستشار السياسي السابق لرئيس مجلس الأمة الكويتي سعود مطلق السبيعي بما يلي:
(عدنا مجدداً للرد على إعلامي كويتي تخطى إشكالاته المحلية ومشي على رؤوس الأزمات ليتحدث عن السودان وأهله وثورته وإمكانية نجاحها وحتمية فشلها .
والمضحك المُبكي أن يصفنا كويتي بالكسالى مع كوننا قد استيقظنا قبله بعقود من الزمن وحين كانت الخرطوم تُغسل بالديتول في أربعينيات القرن الماضي كانت الخرطوم تهوي إليها الأفئدة والأبدان في الخمسينات كنت أنت ورهطك منهمكين في حملات مكافحة القمل .
فأينا الكسول يرحمك الله ومن الذي سبق باليقظة الحضارية والسياسية والثقافية .
والمضحك حد الاستلقاء حديثه الممجوج عن الانقلابات العسكرية وكأنه ينتمي إلى سويسرا.)
شيء مؤسف أن يهبط الحوار بين نخبنا المثقفة إلى هذا الدرك من الإسفاف والتجريح في لغة التخاطب وكأن مثقفينا لا زال يستجرون ويلوكون ثقافة الجاهلية الأولى في القرن الحادي والعشرون !!َ
وحين نعود لتاريخ العرب القديم نجد أن حروب الأقارب هي الأصل، وأن فترات السلم هي الاستثناء، فقبل الإسلام كانت غارات القبائل على بعضها قدراً مقدوراً.. وإن لم يجدوا من يغيرون عليهم أغاروا على إخوانهم وأبناء عمهم:
وأحياناً على بكر أخينا
إذا ما لم نجد إلاَّ أخانا
من يرجع إلى التاريخ ويبحث في تاريخ الحروب التي خاضتها العرب ضد بعضها البعض ولأسباب نندهش عندما نعرفها وقد أدت إلى نشوب مثل هذه الحروب التي دامت لسنوات وعقود طويلة وراح ضحيتها آلاف وآلاف الشباب والنساء والأطفال وعكرت صفو قبائل وعشائر آثر النزاع بينهم أن يكون موجودا
هذا جزء من تاريخنا العربي الذي "نعتز" به .. نعتز بقتلنا لبعضنا بعضاً .. ولو جمعنا سنوات الحروب آنفة الذكر:
140 سنة حرب الأوس والخزرج
77 سنة حرب بني أصفهان
40 سنة حرب البسوس
40 سنة حرب داحس والغبراء
4 سنوات حرب الفجار
سنجد مجموع السنوات (301) ثلاثمائة سنة وسنة .. ثلاثة قرن ضيعوها العرب على الحروب فيما بينهم...
والآن يبدو أنهم سيضيفون إلى تاريخهم "الأسود" "قرناً" آخر من الحروب فيما بينهم .. نتمنى ألا يحدث ذلك .. لكن التاريخ دائماً يعيد نفسه ونراه اليوم في اليمن وسوريا والعراق وليبيا ولبنان .!!
فلماذا لا يتعلم العرب من ماضيهم الجاهلي ما ينفعهم لحاضرهم وقد أنعم عليهم الله سبحانه وتعالى بالإسلام وأرسل إليهم خاتم المرسلين سيدنا محمد صل الله عليه وسلم والسؤال هو:
ألا يجود علينا الزمان في هذا الزمن الردئ كما سبق أن جاد بعاقلين حكيمين أوقفا حرب عبس وذبيان ؟؟ ولم يجد عصرنا بمثلهما بعد مضي أكثر من 1400عام ؟؟!!
بلى والله إنهم معنا و بيننا ولكن أبصارنا عميت وقلوبنا ران عليها السواد وعلاها طبقات من الأحقاد والذنوب !!.
د. علوي عمر بن فريد