في حقبة زمنية وصفت بالراكدة، ظلت المدرسة الصوفية في حضرموت حبيسة المكان، لسنوات طويلة بعد أن كانت الرائدة في الانتشار نحو بلدان عديدة في آسيا وأفريقيا وأوروبا، ومن خلال علمائها ودعاتها، دخل الكثيرون في دين الإسلام، لما تمثله من وسطية، ميزتها عن غيرها من المذاهب الاسلامية.
وبعد أن استقرت الأوضاع لفترة ما، عقب تبدل الأنظمة السياسية الحاكمة في حضرموت، كان الإقبال من مختلف الجنسيات العربية والأجنبية على طلب العلوم الشرعية، في أربطة ومساجد مدينة تريم، في تزايد، الأمر الذي جعل علماء من تريم يفكرون بتأسيس دارعلم تجمع كافة الدور التي كانت قائمة في حينه، العلامة الحبيب عمر بن حفيظ، أبرز أولئك العلماء الشباب آنذاك، الذين أسسوا «دار المصطفى»، أكبر دار علم ديني في الجنوب، في العصر الحالي.
مضايقات وتضييق
ولد الحبيب بن حفيظ في مدينة تريم في حضرموت، قبيل فجر يوم الاثنين، في الـ 4 من محرم العام 1383هـ، الموافق في الـ 27 من مايو العام 1963م ، ونشأ بها، وفيها حفظ القرآن الكريم، وتربى تربية صالحة في أحضان والده الذي كان يشغل منصب مفتي تريم. درس بن حفيظ القرآن والحديث والفقه والعقيدة وأصول وعلوم اللغة العربية والسلوك على أيدي من أدركهم من علماء حضرموت، بعد تعرض والده للاختطاف وهو في سن التاسعة، وابتدأ التدريس وعمل الدعوة إلى الله وهو في الخامسة عشر من العمر، مع مواصلة التعلم والأخذ والتلقي. وبسبب تعرضه للمضايقات من قبل السطات الحاكمة في حضرموت في أوائل الثمانينات من القرن المنصرم، انتقل إلى مدينة البيضاء في اليمن، مواصلاً التعليم والدعوة، ثم انتقل إلى الحديدة وتعز. وبعد عام، غادر إلى مكة المكرمة، وأخذ الإجازة في علوم شرعية عن علماء من الحرم المكي، وبعد تسعة أعوام، توجه إلى سلطنة عمان، بطلبٍ من أعيان منطقة صلالة، فأقام فيها مدة سنة ونصف السنة تقريباً، داعياً ومعلماً، وفي العام 1992، انتقل إلى مدينة الشحر في محافظة حضرموت، حيث واصل إقامة الدروس في رباط الشحر للدراسات الإسلامية بعد افتتاحه، بعد أن أُمِّم في عهد الحكم الشيوعي، وأقام فيها فترة من الزمان داعياً معلماً. قصده الكثير من الطلاب من نواحي متعددة من الجمهورية اليمنية وبعض مناطق جنوب شرق آسيا.
ثم عاد منها إلى مدينة تريم، حيث استقر به المقام فيها، واستقبل أعداد الطلاب القادمين عليه من أنحاء مختلفة من العالم. وابتدأ بتأسيس دار المصطفى في تريم للدراسات الإسلاميه في العام 1994مـ، حتى إفتتحه رسمياً في السادس من مايو العام 1997 مـ، ليكون المركز العلمي الأول لمريدي الصوفية في الوطن العربي.
شجع بن حفيظ المتخرجون من الدار على تأسيس مراكز للتدريس في عدد من الدول.
ليست خنوعاً
حرص بن حفيظ على نشر العلوم التي يدرسها إلى مختلف الدول العربية والأجنبية كـ«مصر وسوريا والسودان والهند وباكستان وأندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وبروناي وسيريلانكا وكينيا وتنزانيا وجزر القمر ودول الخليج»، وشارك في حضور عدد من المؤتمرات الإسلامية في عدد من دول العالم.
له الكثير من المؤلفات والإصدارات السمعية والمرئية، كما أن له الكثير من برامج التوعية الدينية ودروس متعددة ومقابلات في كثير من القنوات الفضائية المحلية والعربية والأجنبية، وله دروس يومية على قناة «الإرث النبوي» الفضائية.
وفي رده على من يهاجم الصوفية والتصوف، يقول الحبيب بن حفيظ في إحدى المقابلات الصحافية، إن «بعض العقليات تقول إن التصوف عبارة عن خنوع وتقاعس أوطبول ومزامير أو عبارة عن خزعبلات وخرافات أو ابتداع في الدين وما إلى ذلك، كل هذا أمر مرفوض وبعيد ولا يصح أن ينسب إليه الأئمة الذين وسموا بالتصوف عبر القرون، وهم المحدثون والفقهاء والأصوليون في الشريعة المطهرة وأهل التفسير والحديث والفقه».
حياد
لم يصدر عن الحبيب بن حفيظ أي موقف من الحرب الحالية في اليمن، كما لم ينسب إليه أي موقف سياسي منذ خمسة أعوام، ولم يدخل في مماحكات مباشرة مع منتقديه القلائل.
يقول العلامة بن حفيظ «لسنا مُكفرين لأحد ولا مُشرّكين لأحد ولا متنازعين مع أحد ولا نريد إمداداً من أحد ولا نخاف سوءاً من أحد، وموقفنا هو بلاغ عن الله ورسوله نؤدي الأمانة كما أحب الله».
ويعيش العلامة بن حفيظ اليوم في مدينة تريم في حضرموت، التي كانت عاصمة الثقافة الاسلامية للعام 2010، وهو متزوج من أربع نساء، ولديه أزيد عن العشرين من الأبناء، أكبرهم سالم.
ويحضى بتقدير واحترام كبير من قبل أقاربه، مثلما يحضى بتقدير الناس في اليمن والعالم الاسلامي، وفي وصفه له يقول أبو بكر بن حفيظ، وهو أحد أقارب الحبيب عمر «لا يمكن أن نصف العلامة الحبيب عمر بن حفيظ إلا بأنه: إيمان في بيته، وإيمان في أمته».
ويضيف أبوبكر في حديث إلى «العربي»: «من السهل للانسان أن يعلو في المنابر، ولكن من الصعب أن يكون متوازناً في علاقاته مع كل الناس. والحبيب بن حفيظ، هو لطيف ومحسن في التعامل مع أقاربه وأهلة وأزواجه وأولاده، مثلما هو في تعامله مع عموم الناس. أتذكر كيف كانت علاقته الجميلة مع والدته، التي هي جدتي رحمها الله، حيث كان حديثه معها بانحناء وتلطف، ودائما كان يطلب منها الدعاء وقراءة الفاتحة. حتى تعامله معنا، ونحن صغاراً في السن، كان الحبيب يخاطبي مخاطبة الكبار كأني رجل، كان يعطيني دافع لعمل الخير، ولانجاز المهام الطيبة، وهو علم من أعلام علماء الأمة الاسلامية.
*- بقلم الصحفي : علاء الدين الشلالي ـ العربي