✅ أثقلنا التصالح والتسامح وحملناه أكثر مما يحتمل ، لدرجة انه قد يصبح مبدأ خامل ولا تتحقق من مضامينه إلا صدى شعارات وليست قيم سياسية حية .!!
✅ البعض فهم مضامين التصالح والتسامح بعكس ما توافق العالم على صيغة ومعاني ومدلولات وضع المبدأ ، وأخذها بانتقائية وتنزيلها في غير منزلتها ، فإذا ما تناول متناول حقبة الاشتراكي ، وهي حقبة حكم بما تعنية الكلمة برؤيته وشعاراته وتحالفاته الدولية والاقليمية وموقفه من الآخر ، حقبة حكم زمنية بسماتها السياسية والحزبية من تاريخ الجنوب ، اتصفت بالتجريف السياسي والحزبي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الديني وعدم قبول الآخر وأن لا صوت يعلو إلا صوتها!! ، هي ليست تجربة كل قوى الجنوب السياسية والحزبية ؛ بل ؛ تجربة الجبهة القومية والحزب الاشتراكي بما اتصفت به من تجريف المختلف معها أوصلها إلى صراع أجنحة دموي بداخلها تكثف مناطقيا ، بعد أن جففت التنوع السلمي الذي يمثله الآخر خارجها ، فدفع الجنوب الثمن غاليا ، تجريف وصل إلى هروبها إلى وحدة غير محسوبة العواقب علها تحافظ على امتيازاتها في الحكم وتنجو بأخطائها ، ومازال الجنوب يعاني آثار ذلك الهروب حتى الآن .
فالتصالح والتسامح كان ضرورة لمعالجة أخطاء وجرائم تلك التجربة ولم يأت لمعالجة تجربة سواها.
فلا يجعل البعض من ثابت الاستقلال وتلك التجربة شيئا واحدا فهما على طرفي نقيض .
✅ مبدأ التصالح والتسامح كما وضعه العالم وكما يفهمه لا يعني إنتاج التجربة المتسببة ، وإعادة تأهيلها لتحكم بأي صوره ؛ بل ؛ يعني أن لا تتعرض تجربة ذلك الماضي برموزها ومؤسساتها لمحاكمات جنائية تعمق الشروخ المجتمعية أكثر مما فتتها وعمقتها أخطاء وتجاوزات تلك التجربة !! . هذا المعنى الإجمالي لمفهوم التصالح والتسامح.
ونماذج التصالح والتسامح التي نجحت في بلدان العالم لم يدافع احد عنها في تلك البلدان بانها تعني إعادة انتاج لتجربة الماضي وقواه السياسية والحزبية ، فالتصالح والتسامح مع اي تجربة سياسية تجرم وتخطيء في حق شعبها ، تسبقها مرحلة عدالة انتقالية من سماتها الاعتراف بالجرائم وعدم تكرار ممارسات وتحالفات تعيد انتاجه ، وتعويض من تعرض لضرر التجربة والاعتراف بحقه وجبر ضرره السياسي والمجتمعي ووضع تشريعات تمنع إنتاج ذلك الماضي تحت اي مسمى !! هذا هو التطبيق العملي للتصالح والتسامح كما جرى تطبيقه في العالم الذي عالج جراحاته بهذا المبدأ . ولأن الجنوب أمام عدو متربص لم تطالب قواه التي تعرضت للضرر بتلك الأجراءات التي تسبق التصالح والتسامح وتتوجه ، لكن عدم المطالبة لا تعني إعادة الإنتاج للتجربة بأي صيغة كانت .
✅ تجارب التصالح والتسامح الناجحة سواء في جنوب أفريقيا او رواندا أو كل دول عانت من اخطاء وجرائم سياسية وإنسانية وبلسمت وعالجت اخطاء تجاربها بالتصالح والتسامح لم يكن إنتاج الماضي الحزبي من سماتها ؛ بل، إن هذا الماضي يزول من تجربة ما بعد التصالح والتسامح كيانات وأفرادا وزعامات ورؤى وطريقة حكم، ففي زواله او على الاقل اعتراف رموزه وقيادته - في حالتنا- باخطائها وجرائمها معافاة للنسيج الاجتماعي ورد اعتبار وتعويض معنوي على الاقل لحقوق من اسأت لهم التجربة ، اما السواد الاعم من تلك التجربة فلا يحرمون من حقهم السياسي ؛ بل ؛ ينضوون ويمارسون حقوقهم السياسية والحزبية تحت مسمى لا صلة له بالمسمى الذي أخطأ واجرم وليس امتدادا له ، وهذا بارز في تجارب الدول التي عالجت ماضيها السياسي بالتصالح والتسامح.
✅ الماضي ليس أيديولوجيا الحزب بل أدوات حكم الحزب وطريقة توزيعها على الجغرافيا وصنع طرفيات وليس خلق شركاء في مساحات رئيسية من جغرافيا الجنوب ، فهذه الجزئية هي التي أوصلت الجنوب إلى صراعات ذات مستويات عليا من العنف والقتل ، لكنها في المقابل اصبحت استحقاقات غير قابلة المساس لدى البعض من تيار تلك التجربة وحظوا بامتيازاتها سواء في مشروع الشرعية او في مشروع الاستقلال !!!.
✅على مخرجات تلك التجربة وبالذات في مشروع الاستقلال ان تتكيف مع الخط العام للتنوع الذي يفرضه التسامح ؛ بل ؛ ان الواجب عليها ان تسعى لخلق التنوع الشريك وليس تنوع الطرفية ، وتوفير البيئة الضرورية لنموه ، ولا يجعلون من أشكال التعبير للتحرير والاستقلال منبرا لخطابهم وكأنه خطاب كل مكونات اتجاهات الجنوب ، فهم مخرجات تجربة دولة وحكم ، أنا بقية القوى الجنوبية فمخرجات تجريف سواء في عهدهم الشمولي او العهد الوحدوي لعفاش ، فاتباع خطاب كهذا يخلق شروخ في جسم مشروع الاستقلال سيستغلها العدو المتربص وله في الساحة الجنوبية أنصار ، وانصار اقوياء شئنا ان ابينا !!
✅ الكل في مشروع الاستقلال يدرك وجود أعداء يتربصون به ، لكن وجود الأعداء لايعني أن تترك كل القوى الجنوبية فرصة لعودة الماضي الذي تصالحوا وتسامحوا معه ليجبوا آثامه وطريقة حكمه ، فالكل متفق أن لا يعود بأي شكل من الأشكال بما فيهم مخرجات تلك التجربة لكنهم عند التطبيق العملي تتضح فيهم معالم "أن الطبع يغلب التطبع" ، لذا فالاتفاق على عدم عودته هو الخط الأول الذي سيمنع الأعداء من اختراق الجنوب ، فلا خوف على الجنوب من أعدائه ؛ بل ؛ الخوف من الإصرار باعتبار تلك التجربة " تابو" مقدس كلما أشار أحد لها ولخطورة إنتاجها حولها البعض إلى نسيج اجتماعي يجب الحفاظ عليه وكأنها ارث قبلي أو مجتمعي أو جهوي وهنا الخطورة الاشد لهذا التنزيل لها مجتمعيا وسياسيا. بينما هي تجربة سياسية كأي تجربة سياسية فشلت ، فقد فشلت قبلها تجربة الاتحاد الفدرالي للامارات والسلطنات ولم نجد من يدافع عن فشلها بانه تفتيت للنسيج الاجتماعي ، فاي تجربة سياسية يجب تناولها في سياق النجاح والفشل السلب والإيجاب قبول الآخر وعدم قبوله وبحجم مستويات العنف فيها وهذه هي معيارية انسجام التجربة مع مبدا التصالح والتسامح، وليس ان نحمل السياق المجتمعي تبعاتها وأنها جزء منه فذلك ينقلها إلى سياقات خطرة .
✅ ان تجربة لم يعتذر رموزها ولا نخبها عن أخطائها حتى الان ، هي في حقيقتها لم تؤمن بالتصالح والتسامح إلا أنه مكياج لاعادة انتاجها. لكن المكياج سريعا ما يزول فتبدو بشاعة ما يغطيه.
٣/ابريل /٢٠١٩م
صالح علي الدويل