عدن وحديث الذكريات : (الحلقة الأولى )

2018-06-03 03:49
عدن وحديث الذكريات : (الحلقة الأولى )
شبوه برس - خاص - عدن

 

الكتابة عن الماضي هي امتداد للحاضر.. الفرق الوحيد بينهما قد يكون هو حنين الإنسان لماضيه أكثر من واقعه الحالي.. وقد يطلق بعض الناس على الماضي "الزمن الجميل" وقد يكون هؤلاء الناس على حق في هذه التسمية عندما نقارن بين الأمس واليوم كل شيء اختلف جذريا في السلوك والمعاملة والتآلف والترابط الاجتماعي والعلاقات الإنسانية ولا أدري هل هي ضريبة التقنية والتكنولوجيا التي قفزت قفزات هائلة في إل30 سنة الأخيرة أم ماذا؟

ومن الطرائف التي تناولت هذا الموضوع شاهدت رسما كاريكاتوريا  في إحدى الصحف  التي نقلت المشهد: شخص واقف أمام باب فيلا صديقه الذي لم يره منذ زمن طويل فقرر زيارته وضغط على جرس الباب، وجاءه الصوت من الداخل:

- نعم .. من على الباب؟

- أنا حسين .. محمد موجود؟

- نعم.. أنا محمد.. كيف حالك يا حسين..؟ والله زمان يا شيخ ما شفناك .. أخبارك؟

- الحمد لله أنا بخير .. كيف أحوالك؟

- الحمد لله .. يا حسين أنا مشغول أعذرني وبعد قليل طالع عندي مشاوير..نشوفك مرة ثانية !! لا تنسى ..سلم على الأصدقاء .. نشوفك مع السلامة!!

وانصرف حسين دون أن يسلم على صديقه محمد..أو يراه!!!

هذا مشهد ساخر لتردي علاقات الناس مع  بعضها البعض.. في عصر  التكنولوجيا..!

ومن السلبيات في الزمن  الحاضر تراجع العلاقات بين الناس.. فتجد مثلا عمارة تسكنها عدة عائلات ..والجار لا يسأل عن جاره.. لا يزوره.. لا يعرفه.. يسافر.. يمرض ..الخ ولا يعرف عنه شيئا !!

 

إذن الكتابة عن الماضي وذكرياته ليست مجرد اجترار لأيام خاليه ولت.. وإنما استعراض لسلوكيات ومعاملات إنسانيه كانت سائدة في مجتمعات الأمس.. نادرا ما نجدها اليوم في تعاملاتنا مع بعضنا البعض.. إن لم تكن  قد اختفت  وقد افتقدناها في حياتنا اليوم.. فما هو السبب في ذلك؟ ولعلنا نجد المواساة لما يجري من تحولات جذرية في حياتنا استرجاع شريط الذاكرة للأيام الخوالي التي مرت في حياتنا

وتعود بنا الذكريات لسنوات  العز في الستينات التي عشناها في بلادنا وخاصة عدن عاصمة الجنوب العربي  و كانت أجمل ذكريات عاشها الناس في ذلك الزمن الجميل ..ونبدأ بشريط الذكريات عن أهم الملامح التي اختزنتها الذاكرة:

 

خور مكسر:

روى المؤرخون أن اسم مدينة "خور مكسر" اسم قديم ذكر قبل مئات السنين والخور كان مكسرا منقسما ، ولذلك سموها خور مكسر.

كانت خور مكسر موقعا عسكريا للقوات البريطانية وشيدت فيه بريطانيا الثكنات العسكرية للضباط والجنود. بعد أن تحولت قيادة القوات الجوية سنة 1927م إلى عدن اهتمت بريطانيا بحي خور مكسر. وشيدت فيه مطارا جويا عسكريا وبعض المعسكرات والمباني لجنود القاعدة الجوية وبعد الحرب العالمية الثانية خططت خور مكسر تخطيطا عمرانيا حديثا وفق الطراز الإنجليزي وأمدتها الحكومة بكافة الخدمات وجددت المطار العسكري وإلى جانبه شيد مطار خور مكسر المعروف الآن بمطار عدن الدولي ..وتبع ذلك  بناء العديد من المنازل الخشبية التي تتكون بعضها من طابقين وبعضها الآخر من طابق واحد على النمط الهندسي الإنجليزي وبعض الفيلات المطلية بالطلاء الأبيض ولذلك عرفت هذه الوحدات السكنية بالمدينة البيضاء كما بنيت في خور مكسر أكبر المستشفيات وأهمها مستشفى الملكة  إليزابيث الثانية .

 

كريتر:

تعني "فوهة البركان"  وأطلق عليها هذا الاسم بعد الاحتلال البريطاني، وهذه المدينة (carter) كريتر عبارة  عن شبه جزيرة تبلغ مساحتها حوالي (200 كم مربع) تمتد كرأس صخري في مياه خليج عدن، وهي بمثابة بركان خامد مساحة امتداده في مياه خليج عدن حوالي (8,5) كم، ويربطها بالبر برزخ رملي يعرف ببرزخ (خور مكسر)، وتحيط بفوهة البركان سلسلة جبلية بركانية تكونت خلال الزمن الجيولوجي الثالث منذ تكون أخدود البحر الأحمر، وقد ساهمت في تشكيل تضاريس مدينة عدن وخليجها تلك السلسلة الجبلية المحيطة بها من جهة الشمال والغرب والجنوب الغربي تتفرع من جبل العر عمودها الفقري، وساعدها موقع مدينة كريتر الجغرافي وما وهبها الله من مميزات طبيعية على أن جعل مينائها أشهر وأهم المواني العالمية منذ القدم، وهذا الميناء هو الوحيد الذي يتميز بعمقه، وتحيط به الجبال الأمر الذي سهل للبواخر والمراكب من الرسو بأمان وحجبها من الرياح. ومن أهمية هذا الميناء أنه كشريان حركة للتجارة العالمية عبر العصور تشكل تاريخ مدينة عدن، وظلت باستمرار محط أطماع الغزاة.

 

يقول الشاعر الأمير أحمد فضل القمندان في قصيدته (تاج شمسان) التي ذكرها وفاء لمدينة عدن قبل أكثر من نصف قرن، يقول فيها :

حياك يا عدن من منهل عذب ** للقاصدين حماك الله من وطن

يا دار أهله فيك الكرام لقد * *طبت وغنت لك الورقاء من فنن

إذا سرى من هوى حقات في عدن ** أحيا عليل الهوى شجوى وذكرني

أهل القطيع وأهل الزعفران وفي **حافة حسين من أهل الفضل والفطن

أحبتـــي وأصحابي فذكـــــرهم ** في يقظتـي لا يفــارقني ولا وسنـــي

أبعث مزاحم حي العيدروس وصافح ** في الخساف وعانق ثم واحتضن

 *- يتبع

*- علوي عمر بن فريد : باحث ومؤرخ