1-عبد الفتاح ورفاقه الحجريين :
كان انتهاج الجنوب الماركسية، كأيدلوجية سياسية، قد بدأ في العام 1969 م، عندما تصدرت النجمة الحمراء الشيوعية، المثلث السماوي، للعلم الجنوبي، بعد انقلاب ربيع ومجلس الرئاسة ، على قحطان مباشرة .
واستعان عبد الفتاح إسماعيل ،بالسوفييت لدعمه، وتم تنصيب ( سالمين ) كواجهة جنوبية ،ليست لها انتماءات قبلية ،ليكون من السهل السيطرة عليه وإزاحته، وبالفعل استولى عبد الفتاح إسماعيل ،على الأمانة العامة للجبهة القومية، وتم رفدها بأقرانه ،من الحجرية مثل :
سلطان احمد عمر، وعبد الله الخامري، وعبد الله الاشطل، وعبد العزيز عبد الولي ،وصالح مصلح المريسي، ومحسن الشرجبي , وبدعم روسي استطاع هؤلاء، إحداث تغييرات جذرية، في البنية الداخلية، والهيكل العام للجبهة القومية ،من خلال النفي، والإقصاء ،والتصفيات للجنوبيين، بتهم البرجوازية، واليمين الرجعي ،تمهيدا لتبني النهج الماركسي علانية، وبدأت مرحلة القضاء التدريجي ،على الكوادر الجنوبية، التي قد تعارض، ما يجري من تحولات جذرية في الجنوب .
وقد استعان عبد الفتاح إسماعيل، بأسياده السوفييت في تنفيذ تلك المهام ،وبدأ التمهيد لقيام الحزب الاشتراكي اليمني ،بقيادته ،بالتنفيذ الفعلي للماركسية ،وإزالة كل مظاهر التدين، داخل منظماته مثل :
الاتحاد الوطني للطلبة , شبيبة فتاح , اتحاد الفلاحين ومن زعاماته اللآحقة "أحمد عبيد بن دغر", واتحاد العمال , وتصدى الحزب لمظاهر الإسلام ،في المدارس، والجامعات ،ومرافق العمل , والكليات العسكرية , واشتد القمع داخل الجيش الجنوبي , حيث تم منع دخول المصاحف ،إلى المعسكرات ومنع الصيام , وإقامة الصلاة جماعة , أو فرادى ومن أقام شعائرها آنذاك، يتعرض لأقسى أنواع العقاب، والضرب ،والسخرية والاحتقار .
وكانت كتب لينين ،وماركس ،وانجلز، تلقى عناية فائقة من الحزب والدولة ،وتباع في كل مكان بأرخص الأسعار , في حين كان يتم مصادرة وإتلاف الكتب الدينية ،والتاريخية، والأدبية .
وكانت اليمن الديمقراطية ،هي البلد العربي الوحيد ،الذي تبنى الماركسية ، وأصبحت قاعدة للنفوذ السوفييتي، في المنطقة العربية ،وتخلت عدن عن وضعها السابق كمنطقة حرة للتجارة العالمية , وأصبحت عدن مختبرا للتجربة الشيوعية , وحلت المليشيات محل المتاجر الزاخرة بالبضائع الفاخرة، من شتى دول العالم , وتباع في التواهي بأزهد الأسعار للسياح .
ورفعت في الشوارع شعارات ( لا صوت يعلوا فوق صوت الحزب ) وتجاذب السكان الأصليون مع الدهماء، الذين كانوا يمارسون الفجور علنا , ويشربون الخمور، جهارا نهارا , ويفطرون في رمضان المبارك ،كما كانت المنشئات تفتح أبوابها للعناصر النسائية , وكان الاختلاط شائعا ،في كافة مرافق الدولة ،والحزب، وكذلك في الجيش والشرطة .
وفي عهد سالمين نظمت المظاهرات في كافة أنحاء البلاد لإلغاء حجاب المرأة , وكان السفور واضحا للقادم جوا عبر مطار عدن , وانتشرت الفتيات، وظهرت البنطلونات والتنانير القصيرة , ونزع غطاء الشعر .
وفي آب عام 1972، احتشد آلاف المتظاهرين ،طوال سبعة أيام في عدن، تطالب سالمين بتأميم المساكن , وتخفيض الرواتب ،في حين تم التشدد في تأشيرات السفر، والاتصال بالأجانب، الذين غادروا البلاد ،وبعض التجار الذين تمكنوا من الهرب، لعدم الوقوع بقانون التأميم ،الذي صدر عام 1969م وحل مكانهم ( المناضلون ) من الجبهة القومية، ومعظمهم أتوا من الأرياف ، والشماليين، وتقاسموا المباني فيما بينهم ،فيلات النخبة الأوربية، والمباني الفخمة في المعلا الذي يمتد طوله مد البصر.
وأصبحت عدن عاصمة للشيوعية في العالم العربي , وتم استقبال الشيوعيين العراقيين الفارين من نظام صدام حسين , وكذلك الشيوعيين اللبنانيين .
وفي العام 1975 م أعلن عن توحيد وتأسيس فصائل العمل الوطني وقيام التنظيم الموحد للجبهة القومية على طريق قيام الحزب الاشتراكي اليمني الذي أعلن عنه في أكتوبر 1978م , وتم رفده بعناصر شمالية يسارية , تم استقدامها من اليمن تحت مسمى ( الجبهة الوطنية الشعبية ) لتعزيز سلطة عبد الفتاح إسماعيل ،ونفوذه، وتمرير قراراته، على اللجنة المركزية ،والمكتب السياسي، للحزب الاشتراكي اليمني .
وقد استطاع بهذه الوسائل الخبيثة ،من تأزيم الأوضاع السياسية في الجنوب , وتم إعدام سالمين ورفاقه، في يونيو عام 1978م بمساعدة السوفييت والكوبيين , وتمكن عبد الفتاح إسماعيل، من الوصول لسدة الرئاسة ،إلا أن الجنوبيين أدركوا الخطر، فأقالوه وأبعدوه، إلى موسكو في ابريل عام 1981 م ،وحل محله، علي ناصر محمد، الذي تعلم الدرس، فجمع السلطات الثلاث في يده حصرا وهي :
رئاسة الدولة ،والأمانة العامة للحزب ،ورئاسة الوزراء، حتى يتفادى الخطأ الذي وقع فيه سالمين .
وقد تعمدت العناصر الشمالية، تشويه البرنامج الإصلاحي، الذي ظهرت ملامحه، في عهد الرئيس علي ناصر , مما دفع بهم لتأجيج الصراع المناطقي بين الجنوبيين أنفسهم ، بحجة استحواذ علي ناصر وجماعته، على أهم المراكز القيادية في الدولة والحزب .
وفي هذه الأجواء المتأزمة، بين الأطراف عاد عبد الفتاح إسماعيل من موسكو، نهاية 1985م مما أدى إلى تأجيج الصراع ، وانحاز إلى بعض الأطراف المأزومة هو ورفاقه الشماليين ، واتخذ الصراع شكلا مناطقيا عنوانه :
الضالع وحضرموت ضد أبين وشبوة ، وتفجرت الحرب في 13 يناير عام 1986م ،وأفرزت الحرب : الطغمة والزمرة ..وهربت الأخيرة، مع علي ناصر إلى صنعاء، وارتمت في أحضان نظامها العشائري المتخلف ،وتم احتوائها وتدجينها .
أما الطغمة بقيادة البيض والعطاس، وهم الفرقة الناجية، فقد انهارت دولتهم بانهيار الاتحاد السوفييتي ،الداعم الرئيسي لهم .
والى اللقاء في الحلقة الثانية والهروب إلى "الوحلة" عفوا الوحدة!!
*- المحرر الاخباري لـ شبوه برس –