هناك أسطورة هندية تقول: "إن ملكا مات فخلفه ولده فشاقه عمه وأخرجه من عاصمته مهزوما، وخرج الملك هاربا إلى الأطراف لاستعادة عاصمته، وفي أحد الأيام دخل إلى كوخ عجوز فقدمت له طعاما ساخنا فرأته يحرك يده في أماكن متعددة من صحفة الطعام، فقالت له وهي لا تعرفه: يا هذا إنك أحمق مثل الأمير فلان الذي خرج من عاصمته ويحاول استردادها من الأطراف".
ذكرتني هذه الأسطورة ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي حول إعادة تأهيل طارق محمد صالح وآل عفاش، وعن النية ببناء معسكرات لهم.. وأنه رفض الاعتراف بالشرعية...إلخ .
لايهم الاعتراف بالشرعية من عدمه، فالكل مليشيات، والشرعية مسمى يحتاجه التحالف كما تحتاجه بعض المليشيات المتواجدة على الساحة لتمرير مشاريعها.
ظهور طارق بالنسبة لكل القوى الشمالية، ما عدا الحوثي، مثله كليلة 21 سبتمبر، فالمؤكد أن التحالفات والأهداف في هذه الحرب ستتغير، وهو في مسار الحرب ضد الحوثي، لن يختلف عن بقية الفلول التي استضافها التحالف لحسم حرب صنعاء، مثلهم خردة سياسية وعسكرية هرب وعمه يحيطه الموت من كل جانب وكان يملك ألوية حرس جمهوري وقوات خاصة ومن يملك ذاك ولم ينتفع به وقت الشدة لن يستعيد عاصمته من خارجها ولو وقف معه كل العالم.
طارق من الذين ولدوا وفي أفواههم ملاعق السلطة الذهبية، صنعته السلطة ولم يصنعها ولن يصنعها استثمار التحالف فيه كاستثماره في كل مسميات الخردة التي تندرج تحت مسمى الشرعية، لذلك لن تتغير المعادلة ضد الحوثي.
إعلاميا التسليط على الإمارات، وتكرار نفس العمل وبنفس الأدوات وانتظار نتيجة مختلفة إخفاق في ملف الحرب إلا إذا كان “رأيهم في رأس غيرهم” .
حرب بدأها التحالف بفلول لا يجمعها جامع إلا أن كل منها أضاع ملكا أو مصلحة لم يحافظ عليها كالرجال، فلجأ للجوار يولول كالنساء، ولأن دول التحالف لا تملك الملف البديل الجاهز للعمل فلا خيار أمامها إلا اللجوء للفلول ثم تكتشف أنها تتعامل مع خردة غير صالحة للاستخدام مهما جددوها، فالسوق استولت عليها قوى أكثر حيوية وقربا منه مهما كان رأي التحالف فيها.. فلول أفسدتها السلطة وأصبحت مقطوعة الجذور مع محيطها.. إن كان التحالف مجمعا على هذه الاستضافة فإن تجربته في الحرب كافية لتقييم جدوى استثمار الخردة السياسية والعسكرية، وإن كانت الإمارات فيكفيها عظة استثمار الثلاثة أعوام في استثمار خردة مماثلة.
ومع قناعتي أنه خردة كغيره لكنني مقتنع أن أي طرف أو كل أطراف التحالف لها حساباتها التي قد لا يترآى لي نوع وكيفية استثماره في حسابات استراتيجياتها لكن على هذه الحسابات سواء كانت للتحالف مجتمعا أو للإمارات منفردة أن تأخذ المعطى الجنوبي جديا كمعطى مهم فلا يكون استثمارها على حساب مشاعر الجنوبيين وشهدائهم ومشاعر شعبهم.
رأيي هذا ليس انطلاقا من مخاوف وحسابات القوى الشمالية في استثمار التحالف أو الإمارات لطارق، بل قناعتي أن القوى الشمالية وبالذات الإخوانية المعادية للإمارات ستستفيد من استثمار كهذا في الجنوب.. انطلق من حسابات جنوبية صرفة، فطارق من أبرز رجال منظومة القتل العفاشية، كلهم قتلوا الجنوب.
وأذكّر التحالف والإمارات بالذات بما قاله المرحوم محمد عبدالملك المتوكل مخاطبا الرئيس عفاش مع بداية الحراك الجنوبي: “أهل الجنوب حاربوا بريطانيا بالسلاح الفردي، وأنه لن يستطيع السيطرة عليهم ولو عمل في كل مكان عسكري”.. والتحالف والامارات يعلمون أن الجنوبيين لم يشترطوا اشتراطات في محاربة الحوثي بل انطلقوا بسلاحهم الفردي ولم يحسبوا حسابات، وأخشى بل المؤكد أن يستطيع أعداء الإمارات أن يؤلبوا الوعي الشعبي ضدها ساعتها لن يفيدها طارق ولا غير طارق.
هذا المسار استشفه من الضيق الشعبي الذي لم يعد خافيا ومن الشعر الشعبي واتجاهاته، فهذا الجدال ذكرني بالحالة قبل انطلاق الحراك الجنوبي، للتحالف أو للإمارات الحق في استضافة طارق واستثماره، لكن ليس في الجنوب.. أقولها بصدق، فليس من مصلحة أي طرف وبالذات الإمارات أن تستثمره في الجنوب، لأنه إلى الآن مازال لها مقبولية شعبية، لكن استضافة أو استثمار قاتل كهذا في الجنوب مثار غضب جنوبي سينفجر لأنها استضافة لا تحسب حسابا ولا تقيم وزنا ولا تراعي مشاعر شعب قاوم هذا القاتل وسفكت قواته آلاف الشهداء منه، ثم يأتي متبخترا في الجنوب , لو أن التحالف أو الإمارات تريد الاستفادة من طارق وآل عفاش ضد الحوثي وضد غيره فليذهبوا به إلى المخا وتعز إلى أماكن لا تثير الحاضنة الجنوبية ويعملون له ولمنسوبيه في المعسكرات.
لأي طرف في التحالف الحق في اختيار حلفائه في هذه الحرب لكن شعب قدم شهداء ولم يطلب حينها ثمنا من التحالف أو أي طرف منه ولم يشترط لدفاعه عن أرضه، كاشتراطات الشماليين، هذا الشعب لن يقبل أن يرى قاتليه وقاتلي ابنائه يسرحون ويمرحون في أرضه مهما كانت المبررات.
*- كاتب سياسي ومقاوم جنوبي