القبيلة في الجنوب : بين سندان الحزبية ومطرقة الأنظمة القمعية!! (الحلقة الأولى)

2017-11-11 07:37

 

كانت القبيلة في مناطق الجنوب بمثابة دويلة صغيرة لها أعرافها وتقاليدها وشيمها العربية الأصيلة منذ مئات السنين وكانت تلك التقاليد العريقة التي تحكمها بمثابة دستور يحترمه الجميع ويتمثل في الآتي :

نجدة المظلوم ونصرته , إغاثة الملهوف , ردع المعتدين , تأمين السبل والطرق العامة للناس , ردع اللصوص والقتلة وقطاع الطرق , تأمين سائر طبقات المجتمع المدني وحمايتها , نبذ الخارجين على قانون القبيلة , الأحلاف والمعاهدات القبلية .

 

وكانت كل قبيلة أو حلف قبلي له مرجعيات , ممثلة في شيوخ القبيلة ومجلسها القبلي ومستشاريها من كبار القوم من السادة والعلماء الذين ترجع لهم القبائل في الأحكام الدينية .. وكان النظام القبلي مبني على أساس هرمي، من الفرد إلى العاقل إلى الشيخ الكبير للقبيلة .

وكانت القبائل تحتكم لبعضها البعض إذا وقع منها الزلل سواء عمدا أو دون قصد وتدفع القبيلة المحتكمة بأبنائها وتقدمهم للقبيلة الأخرى كمسجونين لديها حتى تصدر أحكامها عليهم .إلا أن هناك نقاط ضعف في الكيان الجنوبي ومن ذلك :

- عدم وجود دولة تاريخية مركزية موحدة تحكمه .

- تمزق الجنوب وتشرذمه إلى أكثر من 22 سلطنة وإمارة.

- الحروب والنزاعات القبلية التي كانت تنشب بين الإمارات الجنوبية .

وعندما احتل الانجليز عدن عام 1839 م ومد نفوذه لاحقا إلى المناطق الغربية والشرقية من الجنوب وفق معاهدات مع شيوخها وتحت مسمى (المحميات) مما قلص تدريجيا من نفوذ القبائل بل وزرع الفتن بين كل قبيلة وأخرى، بل وحتى داخل القبيلة الواحدة , ونتيجة لذلك , انقسم أبناء القبيلة الواحدة , بين موال للانجليز ومعارض لهم , واستقوى الفريق الموالي على الفريق المعارض , ونشبت الثورات القبلية ضد النفوذ الانجليزي بعد أن أصبحت لديه قواعد ومعسكرات , داخل كل إمارة بينه وبينها معاهدة للحماية .

وبدأ نفوذ شيوخ القبائل ينحسر تدريجيا بين قبائلهم، فيما لعبت الدعاية الناصرية , من خلال إذاعة صوت العرب دورا تحريضيا للتمرد ضد الانجليز الغزاة , وزعماء القبائل المعاهدين معهم .

 

كما استغلت اليمن تلك الخلافات القبلية، وقامت بمد القبائل الجنوبية بالمال والسلاح والذخيرة , وان بشكل محدود، بما يتوافق مع مصالحها، وسياسة التجاذبات بينها وبين بريطانيا في ذلك الوقت !!

كما ساهمت الأحزاب السياسية الممولة خارجيا ،والمتدثرة بالوطنية ومحاربة الاستعمار،  بتمزيق القبيلة الجنوبية وشق صفوفها وجندتها لخدمة أهدافها الحزبية الضيقة !!

وكانت تلك الثورات القبلية هي التي شقت صف القبيلة، وزرعت الفتنة بين رجالها !!

 

وبعد الاستقلال عام 1967م ،جاءت الموجة الثانية التي دمرت القبيلة الجنوبية ممثلة في : ( الجبهة القومية ووريثها الحزب الاشتراكي اليمني ) .

وكان الأسوأ في تاريخ الجنوب , عندما بسط سيطرته على الجنوب بمساعدة بريطانيا ثم انتهج الماركسية لاحقا وقام بالاتي :

زعزعة السلم الأهلي الذي كان سائدا في الجنوب , نشر الصراع الطبقي , عدم احترام قيم المجتمع المدني والقبلي ,  نشر الفتنة بين أبناء القبيلة الواحدة , إذكاء الصراعات القبلية والمناطقية , مستترا ومغلفا بشعارات ثورية يسارية , تدمير المؤسسة الدينية , قتل وسحل العلماء والمرجعيات الدينية والقبلية , إباحة الفساد والخمور , العمل على إشاعة الفساد الأخلاقي , منع تعدد الزوجات , التحريض على سفور المرأة وتبرجها , تحت شعار " حرية المرأة " تأميم ممتلكات المواطنين من مساكن ومزارع الخ ... احتكار الوظيفة العامة المدنية والعسكرية والأمنية لأتباعه والموالين له , القيام باغتيالات واسعة لرموز القبائل وفرسانها لإرهاب المجتمع القبلي , سن قوانين لمنع حمل السلاح وتجريد القبائل من سلاحها , والاعتقالات والاختطافات القسرية , وإرهاب المواطن الجنوبي وإذلاله , وفوق هذا وذاك ملاحقة كل من خالف الحزب الاشتراكي , وشعاره الذي يقول : ( لا صوت يعلو فوق صوت الحزب ) وكان نتيجة ذلك المسار التعسفي سلسلة من الانقلابات أطاحت بقحطان الشعبي عام 1969م , ثم بسالمين ورفاقه عام 1979 م ثم انتهت بحرب يناير عام 1986م وكانت نتيجتها آلاف القتلى والجرحى وأكثر من ستين ألف نازح من أبناء الجنوب..

وتدمير المؤسسة العسكرية والأمنية , وخروج وانقسام الحزب والدولة في الجنوب إلى زمرة وطغمة , وكانت تلك الأحداث القبلية والمناطقية متدثرة بشعارات ماركسية قادت شعب الجنوب قسرا إلى باب اليمن .

والى اللقاء في الحلقة الثانية