قدم إسماعيل ولد الشيخ المبعوث الأممي إحاطته الدورية الى مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء الماضي في ظل حراك ديبلوماسي لملفات الصراع القائمة في المنطقة العربية. فعلى أثر اجتماع قمة هامبورغ لمجموعة دول العشرين وبخاصة على اثر اللقاء الذي عُقد بين الرئيسين الأميركي والروسي دونالد ترامب وفلاديمير بوتين عقد اجتماع في جنيف بين أطراف الأزمة السورية وفي الوقت ذاته شهدت منطقة الخليج العربي ماراثون زيارات مسؤولين من الإدارة الأميركية في محاولتهم التوسط بين قطر والدول العربية المقاطعة لها وبدأت تتكشف ابعاد تآمر دور قطر في زعزعة أمن دول الخليج العربية واليمن.
وانعكس هذا المشهد السياسي المضطرب في المنطقة على مضمون تقرير ولد الشيخ لأعضاء مجلس الأمن الدولي. فللمرة الأولى أشاد المبعوث الأممي بجمهورية الصين الشعبية وشكرها على الدور الجوهري الذي قامت به وفق تعبيره في تسهيل اتصالاته المباشرة مع «أنصار الله» التي توترت علاقته معهم مؤخراً بسبب ماقيل انهم حاولوا الأعتداء عليه والمساس بحياته في آخر زيارة له الى صنعاء. والملفت للنظر هنا ان ولد الشيخ كان في الماضي يلجأ الى ممثلي سلطنة عمان للتوسط بينه وبين جماعة «أنصار الله» الحوثيين بينما هذه المرة عملت الصين الشعبية معه كهمزة اتصال بينه وبين الحوثيين.
وبالطبع كان لابد لولد الشيخ الإحاطة في تقريره بالأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها اليمن بخاصة الانتشار السريع لمرض الكوليرا مشيداً بالمنحة «السخية» التي قدمتها المملكة العربية السعودية بمبلغ 67 مليون دولار كمساهمة منها في تخفيف حدة انتشار الكوليرا. وتحدث من جهة أخرى عن مقترحات يجري التباحث حولها مع أطراف النزاع وتتمحور حول منطقة الحديدة ومينائها وتهدف الى تأمين وصول المواد الأساسية والتجارية عبر الميناء لوضع برنامج عمل لجباية الضرائب والعائدات واستخدامها لدفع الرواتب وتأمين الخدمات الأساسية بدل «تمويل الحرب» وبهذه العبارة يشير ولد الشيخ الى ما كانت دائماً تكرره السلطة الشرعية حول استخدام الحوثيين وجماعة صالح الموارد العامة لتمويل المجهود الحربي لهم على حساب تلبية احتياجات المواطنين.
وعلى عكس هذا الانتقاد المبطن للانقلابيين أشاد ولد الشيخ في هذه النقطة تحديداً «بتعاون الحكومة اليمنية في شكل إيجابي مع هذه الأفكار وموافقتها على التباحث بها وأيدت ضرورة وضع برنامج عمل يضمن تأمين المواد الإنسانية والتجارية ويمنع تهريب الأسلحة وسوء استغلال جباية الضرائب والعائدات»، مشيراً في الختام الى لقائه بولي العهد الأمير محمد بن سلمان في زيارته الى السعودية يوم الأربعاء الماضي الذي عبر له عن تأييده تلك المقترحات ودعمه مناقشة الأطراف اليمنية لها.
دعوة ولد الشيخ الى ايجاد حل جذري لقضية الجنوب اثارت يمنياً جدلاً شديداً في اوساط التواصل الاجتماعي في جنوب اليمن وشماله. فقد ذكر في سياق حديثه، ضرورة توصل السياسيين اليمنيين الى حلول ناجعة لمستقبل اليمن ومن ضمنها «مظالم الجنوب» وهي عبارة تعني وضع القضية في إطارها الحقوقي وليس في بعدها السياسي. هكذا فسر البعض معنى تلك العبارة بخاصة من قبل الأطراف الرافضة الانفصال ما يعني انها تتوافق مع ما كان يردده نظام الرئيس السابق أن القضية الجنوبية ومشكلة الجنوب هي مشكلة حقوقية وليست سياسية!
لكن القراءة الأخرى ان التقرير أردف بعد تلك العبارة قوله «إن القضية الجنوبية تتطلب حلولاً جذرية وندعو اليمنيين إلى التعامل مع هذه القضية عبر الحوار والطرق السلمية». شخصياً، أرى حديث ولد الشيخ انه حاول التماشي مع المواقف الرسمية بالحديث عن المظالم الجنوبية وفي الوقت ذاته تحدث عن الحاجة الى إيجاد حلول جذرية. بكلمات أخرى، ان القضية الجنوبية لم تحظ بالمعالجة التي تستحقها والأهم من ذلك استخدامه عبارة دعوة اليمنيين إلى حل هذه القضية عبر «الحوار» ما يعني ان مخرجات مؤتمر الحوار الوطني مطلع عام ٢٠١٤ لم تعد كافية وتدعو الحاجة الآن الى البحث عن حلول جذرية أخرى للقضية الجنوبية التي يرى الجنوبيون انها تشكل لب المشكلة اليمنية وأزمتها. في الخلاصة، من الواضح ان المشهد السياسي الإقليمي والدولي في تطوراته الأخيرة سيساهم في تحريك المياه الراكدة في الأزمة اليمنية. ومما قد يساعد على ذلك ان الحوثيين وحلفاءهم والجماعات الإرهابية من «القاعدة» و«داعش» بعد هزيمتها الأخيرة في الموصل وانكشاف دور قطر في تمويل الحوثيين ودعم مجموعات وأحزاب الإسلام السياسي في الشرعية اليمنية وخارجها سيسهلان مهمات الأمم المتحدة في تنفيذ قرارات مجلس الأمن وعلى وجه الخصوص القرار الرقم 2216 الذي تعثر تطبيقه منذ عام 2015.