لم تكن نتيجة الانتخابات البريطانية صدمة فقط لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وحزب المحافظين بل لكثير من الدول حول العالم، فمن الأساس كانت تمتلك تريزا ماي هي وحزب المحافظين الأغلبية التي تجعلهم يشكلون الحكومة بشكل منفرد، ولكن كان هناك الكثير من الصعوبات فيما يخص قرارت السياسة الدولية المتعلقة بالتفاوض مع الاتحاد الأوروبي لخروج بريطانيا منه، والروابط السياسية والاقتصادية والتجارية التي كانت تحاول حكومة تريزا ماي بناءها مع أطراف أخرى لتعويض مجموعة الخسائر الناتجة عن الانسحاب من أوروبا، وبعد نتيجة الاستفتاء التي جاءت في صالح المعارضة، فالسياسة الدولية البريطانية سوف تصبح أكثر تعقيداً.
تعتقد تيريزا ماي أن على بريطانيا أن تتطلع إلى علاقات أقوى مع الجانب الأمريكي كقوة اقتصادية أولى في العالم، يمكننا التأكد من ذلك عندما نعرف أن ماي رفضت وضع اسم بريطانيا على بيان مجموعة من القادة الأوروبية لشجب خطوة انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من اتفاقية باريس للتغير المناخي، وعلى الناحية الأخرى فوز حزب العمال البريطاني وقائده جيرمي كوربين بـ(29) مقعد جديد في البرلمان إنما يهدد علاقة الصداقة القوية بين تيريزا ماي وبين دونالد ترامب، فكثيراً ما كان يصف كوربين حكومة دونالد ترامب بأنها فاقدة الأهلية. كانت دعوة تيريزا ماي إلى الانتخابات العامة تهدف لرغبة المحافظين زيادة قوتهم السياسية في البرلمان من أجل تمرير قوانين تعزز من قوة المفاوض البريطاني في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن خروج بريطانيا (البريكست)، نتيجة الانتخابات أصابت المحافظين بخيبة أمل فيما يشعر مفاوضي الاتحاد الأوروبي بفرصة مواتية لمواجهة بريطانيا الضعيفة في مفاوضات ستكون شاقة على الطرفين. نتيجة الانتخابات تضع تيريزا ماي أمام منعطفات صعبة أهمها على الإطلاق عدم قدرتها إخضاع القوانين اللازمة لخروج بريطاني كامل من الاتحاد الأوروبي، فحزب العمال يرغب ببقاء بريطانيا في عضوية بعض مؤسسات الاتحاد الأوروبي، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني أن السوق البريطاني سوف يفقد عدداً هائلاً من العمالة الأوروبية، وهذه واحدة من الأمور التي كان يروجها القائمون على الحملات التي تريد الخروج من أوروبا وقت الاستفتاء، لأن الكثير من الوظائف سوف تصبح شاغرة وبالتالي البطالة التي تعاني منها بريطانيا ستتضاءل، وبالنسبة لحزب المحافظين كان يريد أن يبع نهج الاعتماد الكلي في ملء هذه الوظائف على المواطنين البريطانيين، على عكس المعارضة التي كانت تريد زيادة فرص مهاجرين رابطة الشعوب البريطانية (الكومونولث). قالت تيريزا ماي بنفسها قبيل الانتخابات: «الانقسام سيؤثر على نجاح البريكسيت»، الآن وقد وقع هذا الانقسام بين حزبي المحافظين والعمال، وهذه نتيجة لسياق التراجع النسبي في الخطاب الشعبوي في أوروبا، فلقد عادت الليبرالية للظهور عبر انتخابات فرنسا التي اكتسحها ماكرون وقبل ذلك تلقى اليمين في هولندا ضربة قاسية، هذا الجانب المؤثر إلى جانب ما لحق ببريطانيا من هجمات إرهابية طالت العاصمة لندون ومانشيستر أضعفت خطط المحافظين الذين يتعين خوض معركة مفاوضات قاسية وطويلة بعد خسارة تيريزا ماي مقامرتها السياسية.