كي لا تتلف شريحة ذاكرة التاريخ (سرقة وتدمير تاريخ عدن)

2017-01-31 01:57

 

منذ غداة حرب 1994م التي شُـنّـتْ على الجنوب شرعت جهات مختلفة  بسلطة ما بعد ذلك التاريخ ولحسابات متعددة في مدينة عدن وكثير من محافظات الجنوب باستهداف صريح لبعض من المعالم الأثرية التاريخية بمختلف انواعها واشكالها من المباني والمعابد والأسوار والقلاع والأقبية والمعالم البحرية والآبار والسدود وغيرها من معالم الإرث الانساني المادي التاريخية بهذه المدينة العريقة ناهيك عن نهب  جزء من المخطوطات والعملات القديمة ومقتنيات المتاحف العسكرية والوطنية ومتاحف الموروث الشعبي بما كانت تحيوه من قطع اثرية وعربات وخناجر واسلحة قديمة وآلات موسيقية وملبوسات وأزياء متنوعة لمختلفة المناطق  والقبائل , و ما فقد منها من حُــلي ومصوغات وأواني فخارية  لعصور سحيقة, هذا علاوة على الوثائق الورقية والتسجيلات الصوتية والمرئية التي اختفت في  ظروف غامضة منذ سنوات كما حدث لأرشيف تلفزيون وإذاعة عدن الذي تم شحن معظم محتوياته من اشرطة تسجيل لمواد فنية لمختلف الفنون ووثائق تسجيل تلفزيوني منذ انشاء تلفزيون عدن وما قبله, ووثائق ورقية تاريخية وثقافية وسياسية وشعبية وفلكلورية وثورية وغيرها,  فضلاً على  مخزون ضخم من الصور المتنوعة بحاوية كبيرة الى صنعاء بذريعة عمل  نسخة منه, ومن حينها خرج ولم يعد.

 

ما يدعونا الى كتابة هذا الموضوع هو لفت انظار الجميع دون استثناء وليس فقط الجهات المسئولة الى خطورة ما تم من عبث واستهداف لهذا التاريخ والموروث الانساني لعدن, وما زال مستمرا الى اليوم .فقبل أيام  فقط شاهدنا عملية شروع بهدم مسجد في عدن كريتر (مسجد  الحامد الهاشمي) بشارع الزعفران عمره 300عام تقريبا.

 

 عملية الشروع بالهدم هذه لن تكون الأخيرة أن ظلت حالة اللامبالاة سائدة بل ستكون اتصالاً لما سبقها. فعلى سبيل المثال وليس للحصر فقد سبقتها قبل أقل من ثلاثة أعوام استهداف معبد جين تحت غطاء الاستثمار, ومسجد جوهر بكريتر, وقبل ذلك كان مصير مسجد  طائفة الاسماعيلية بحي القطيع ومسجد أبان ومعبد اليهود ومبنى السجن القديم الى الزوال والطمس, وقبل هذا كله تم احراق جزء من قبة مسجد العيدروس ,عمره( سبعة قرون تقريبا) مطلع التسعينات من القرن الماضي.

 

لا يعني استهداف هذه المعالم طمساً لتاريخ وهوية عدن ولا تعدياً على إرث حضاري انساني فقط ولا نزعا لشريحة ذاكرة تاريخ مدينة تعد سابع أقدم مدينة بالتاريخ( 5500عام) بحسب دراسة  أصدرتها منظمة ﺍﻟﻴﻮﻧﻴﺴﻜﻮ مطلع 2013م في ﺳياق ﺣﻤﻠﺘﻬﺎ للحفاظ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ,  بل استهدافا  واضحا لا لبس فيه  سواءً بقصد أو بدون قصد لخصوصية عدن ولتمزيق نسيجها  الاجتماعي وهتكا لأواصر العلاقات  بين كل اطيافها  الاجتماعية والدينية والفكرية والسياسية واستهدافا لخصوصية تميزها عن كثير من مدن العالم بميزة التعايش بين اهاليها وساكنيها والقادمين إليها  من مختلف الاجناس والاعراق من مشرق الأرض ومغربها ومن  كل الاصقاع والفجاج, وما يعتقدون به من الاديان والأفكار والثقافات.

 

وعلى ما تقدم نأمل أن يصل صوتنا هذا الى كل من  تعِــز عليه عدن بتاريخها وحاضرها ومستقبلها لوضع حدا لهذا العبث والإتلاف. فالتراث- أي تراث كان- يعتبره العالم ثروة كبيرة من العادات والقيم والآداب والتقاليد والمعارف الشعبية والثقافة المادية والفنون التشكيلية والموسيقية وغيرها لا بد من الحفاظ عليها. وبما أننا لا نقوى في هذا الوقت لأسباب مختلف على تدريسه كعلم في الجامعات والمعاهد فأضعف جهد ممكن نقوم به هو الحفاظ عليه من التلف والعبث والتدمير باعتبار الحفاظ عليه يُـــعدُ حفاظا على كينونتنا كشعب وأمة. فالتراث من  الناحية  العلمية هو علم ثقافي قائم بذاته يختص بقطاع  الثقافة (الثقافة التقليدية أو الشعبية والفكرية والسياسية والدينية والادبية) ويلقي الضوء عليها من زوايا تاريخية وجغرافية واجتماعية ونفسية يستحق أن نحياه من جديد ونطوره ناهيك عن الحفاظ عليه.

 

لا يمكن فهم ما يجري على انه يأتي ضمن الحرص على عدن او توسعة  لمواقع مباني وجدران ومحتويات هذه المعالم والمواد الاثرية والتراثية , فالأثار لا تتجدد بل ترمم وتصان لتبقي على طابعها وأصالتها , فقيمة وأهمية هذا التراث يأتي من عراقته وطيب عبق تاريخه .

فلابأس أن يكون المزج بين الاصالة والمعاصرة  بشرط ألا يطغي الأخير على الأول ويفرغه ويمسخه من قيمته الحضارية والتاريخية. 

 

قفلة: (( من يرمي ماضيه بمسدس سيرميه مستقبله بمدفع.(رسول حمزاتوف))