فاسدو الانقلاب .. فاسدو الشرعية

2017-01-08 06:32

 

فساد المشروع الانقلابي لم يعد خافيا على أحد ، وتعوفد المراحل الأولى لظهوره وتطوره ووصوله إلى ما وصل إليه اليوم ـ تعود إلى أواخر سبعينات القرن الماضي عندما انتقل الحكم في عاصمة الجمهورية العربية اليمنية إلى أيدي مجموعة من اللصوص الطارئين على السياسة والعمل الوطني والمسؤوليات الوطنية والأخلاقية فتحولت الوظيفة الحكومية إلى وسيلة للإثراء غير المشروع والمنصب الحكومي إلى استثمار تجاري ومالي انتقل معه العشرات وربما المئات من محدثي النعمة إلى مليونيرات ومليارديرات في سنوات قصيرة.

 وعندما جاءت كارثة 1990م وابنتها الشرعية كارثة 1994م صار مجرد الوصول إلى منصب حكومي متوسط أو رفيع يعني انتقال صاحبه إلى عالم الفاسدين، إلا من رحم ربي، وقد مثلت سياسة النهب والسلب والغنيمة وتقاسم مصادر الثروة والمنشآت والأراضي والمشاريع والمقاولات والوكلات التجارية بين منتصري 1994م في الحرب على الجنوب ـ مثلت أرضية خصبة لنمو الفساد وتحوله إلى رديف للعمل في جهاز الدولة وتولي المناصب الحكومية.

وبعد انقلاب 2014 كان طبيعيا الحفاظ على هذا (التراث) المشترك بين طرفي الانقلاب وتبادل التجارب والخبرات بينهما استكمالا لتبادل المصالح التي بني عليها الانقلاب.

الأمر إلى هنا مفهوم فالانقلاب نفسه هو فساد ولن ينتج عنه إلا الفساد وقد سمعنا عن الوكالات والشركات والمؤسسات والأرصدة التي صار يملكها بعض الصبية الذين ظلوا حتى العام 2014م  لا يملكون إلا ما يجود به عليهم ممولو مشروعهم ثم تحولوا بغمضة عين إلى ملاك ووكلاء كبار وأصحاب عقارات وشركات ووكالات تجارية واستثمارية كثمرة من ثمار الانقلاب.

لكن الذين تتلمذوا في مدرسة الفساد على مدى أكثر من عقدين ونيف لم يذهبوا فقط إلى صف الانقلاب، بل لقد نالت الشرعية نصيبها من هؤلاء ورأينا كيف تحول الكثيرون من هؤلاء التلاميذ إلى مدافعين نشطاء عن شرعية الرئيس هادي ومهاجمة الانقلاب والانقلابيين، وهذا النوع من البشر ينتشر في أوساط الطبقات السياسية في البلدان التي تغيب عنها الشفافية والمحاسبة والمساءلة وفي البيئة السياسية التي لا تحترم الدستور والقانون ولا تتطبق التشريعات، حتى في ظروف السلم، فما بالنا ببلد تعيش حالة من الحرب لا يرغب سياسيوها في الاستفادة من فرص السلام التي وفرها انتصار المقاومة في المناطق المحررة للبدء بوضع مداميك الدولة التي ينشدها المواطني ومن نذروا أرواحهم ودماءهم في سبيل أن يعيشوها.

لا يمكن لمن اعتاد العيش على المال الحرام ولمن قضى حياته يتاجر بالموقع الحكومي وبالسياسية وبالوظيفة ويمارس النهب والسلب والنصب والاحتيال والكسب غير المشروع، لا يمكن أن يتوقف عن هذا ويعود مستقيما صالحا نزيها نظيفا لمجرد انتقاله من صف اللصوص الانقلابيين إلى صفوف الشرعية، ورب مناصر للشرعية ليس تأييدا لمشروعيتها وأحقيتها وإنما حفاظا على مصالح غير مشروعة بناها على مر العقود أو طمعا في مصالح جديدة يراهن على الحصول عليها في أجواء الشرعية غير المستقرة وظروف الحرب والاضطراب.

ليس الملومون من أدمنوا  سلوك الفساد والانحراف المادي والأخلاقي والإثراء غير المشروع من خلال الوظيفة الحكومية التي منحتهم إياها السلطة، لكن الملوم هو من ائتمن اللصوص على أموال الشعب وثرواته ووضع النصابين حراسا على هذه الثروات.

وكما قلنا مرارا: لا يمكن مواجهة الفساد بفاسدين والظلم بظالمين والفشل بفاشلين والطغيان بطغاة صغار يطمح كل منهم أن يغدو طاغية كبيراً بأسرع وقت.

الفساد لا يواجهه إلا الشرفاء والظلم لا يقاومه إلا أنصار العدل  والفشل لا يهزمه إلا الناجحون والطغيان لا يكسره إلا الشجعان الوطنيون المخلصون والقابضون على جمر المبادئ والمثل، لكن يبدو أن هذا الدرس محتاج إلى سنوات حتى يستوعبه ولاة أمر هذا البلد المغلوب على أمره.