الفتوى التكفيرية الشهيرة التي اطلقها رجل الدين الإصلاحي المعروف /عبدالوهاب الديلمي, من صنعاء عام الغزو على الجنوب 1994م مستهدفا منها النيل من الحزب الاشتراكي ,ومن الجنوب عموما طرف سياسي وجغرافي ,والتي يقول فيها:
(إننا نعلم جميعاً أن الحزب أو البغاة في الحزب الاشتراكي اليمني المتمردين اعلنوا الرده والالحاد والبغي والفساد والظلم بكل أنواعه وصنوفه، ولو كان هؤلاء الذين هم راس الفتنة لم يكن لهم من الاعوان والانصار ما استطاعوا أن يفرضوا الألحاد على احد .
اذا تترس اعداء الإسلام بطائفة من المسلمين المستضعفين فإنه يجوز للمسلمين قتل هؤلاء المُتترس فسيتمكن العدو من اقتحام ديارنا وقتل أكثر منهم من المسلمين ويستبيح دولة الإسلام وينتهك الاعراض….. يريدوا ان تعلو شوكة الكفر وأن تنخفض شوكة الإسلام..).
هذه الفتوى تتشابه اليوم مع فتوى أطلقها يوم الثلاثاء19يناير كانون الثاني الجاري من صنعاء أيضا رجل دين ينتمي للمذهب الزيدي, هو العلامة /محمد المطاع, وأن كان الرجلان يقفان على طرفي نقيض فكريا ومذهبيا وسياسيا. فالعلامة محمد المطاع يقول في إحدى عبارات فتواه ,وهو يشير الى جماعة الشرعية التابعة للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الذين وصفهم بالمرتزقة المتعاونين مع العدوان بقوله:
((..فقد خلعوا رجولتهم وَخلعوا رتبة الإسلام من أعناقهم وَحكموا على أنفسهم أنهم من أصحاب الجحيم، إذ كيف يوافقون على قتل إخوانهم وَأبنائهم وَبناتهم…. …سلامٌ عليكم يا أهلَ الـيَـمَـن وَأنتم في الجبهات…وَلا سلامَ وَلا تحيةَ على من استسلم للطغيان وَباع دينَهُ وَإسلامَه لقرن الشيطان)).
أوجه الشبه بين هذه الفتوى وفتوى الشيخ الاصلاحي الديلمي يتمثل في:
-1- ان أصحاب هاتين الفتويين هما كسائر رجال الدين الذين يطلقون الفتاوي على عواهنها كحُطاب ليل خدمة دون اكتراث بما تلحقه حاضرا ومستقبل بالناس والدين من اذى ومضرة, فهم يوظفون الدين خدمة للسياسة وفقا لفلسفة ومنهجية الإسلام السياسي المتفشي اليوم بين كل الطوائف والمذاهب الاسلامية تقريبا كظاهرة شهد التاريخ لها مثيلا بكل الأديان بالقرون الماضية ومنها وبشكل اكثر فظاعة المسيحية في القرن الخامس عشرة أثناء حكم الكنيسة ومحاكم التفتيش.
-2- إن هاتين الفتوتين اتتا في غمرة حربين طاحنتين 1994م و 2015م, أي انهما اتتا كردة فعل اقتضتها الحاجة العسكرية لشحذ همم المقاتلين بالجبهات وحشد أكبر عدد ممكن من المقاتلين ممن لم ينخرطون بالحرب بعد, ولا علاقة لهذه الفتاوي بالدين الاسلامي ومقاصده.
فكون الحرب- أي حرب- شكل من اشكال ممارسة السياسة وتهدف الى إعادة تنظيم الجغرافية السياسية للحصول على نتائج مرجوة ومصممة بشكل ذاتي , فهذا يعني بالضرورة أن إقحام الدين يتم لتحقيق ذلك الهدف السياسي البحت, بصرف النظر عن نوع هذا الغرض ومشروعيته من الناحية السياسية أو من ناحية غرضه الاخلاقي أو حتى نوعه ان كان دفاعا عن النفس أو غير ذلك, فإقحام الدين بمضمار المنافسة الدنيوية( السياسة) لا يمكن قبوله دينيا ولا اخلاقيا ناهيك عن سياسيا, كونه اتخذ من الدين مطية أو جسر مرور صمم من اشلاء البشر وجثث الابرياء للظفر بغرض سياسي كما هو حاصل اليوم باليمن, فلا ناقة للإسلام في هذه السياسة لا جمل, بل هي ممارسة متوحشة للسياسة تتم اليوم بين خصوم سياسيين لا غبار على إسلامهم .
ملاحظة هامة: (أنا هنا افترض أن الحرب الدائرة اليوم باليمن هي بين طرفين مسلمين ولا افترض أن دولاً غير اسلامية مشتركة بها كونه لا يوجد تدخلا عسكريا مباشرا من دول غربية غير مسلمة وأن كانت عدد من هذه الدول ومنها أمريكا وقبل أيام بريطانيا قالتا انهما تقدمان الدعم اللوجستي والاستراتيجي و يشاركان برصد أهداف عسكرية على الارض لمصلحة قوات هادي ودول التحالف ).
-3- مثلما حرص الشيخ عبدالوهاب الديلمي ان يصـوّر الحرب عام 1994م على انها حرب بين مسلمين(الطرف الذي ينتمي له), وبين كفار خارجين عن الدين والملة (الطرف الأخر الحزب الاشتراكي والقوى السياسية الجنوبية المصطفة معه حينها) وجب قتلهم وقتل المستضعفين الذين يتمترس خلفهم هؤلاء الكفرة كون الحاجة- وفقا للفتوى -اقتضت ذلك.! حيث تعد هذه الفتوى واحدة من أبشع صور فتاوى الاسلام السياسي في التاريخ اليمني الحديث والمعاصر, والنتائج المدمرة التي تلت تلك الفتوى منذ عام 94م والى اليوم تؤكد ذلك, فقد قال اليوم العلامة المطاع نفس المعنى وأن لم يقل نفس العبارات ,فهو حين يصف أتباع الرئيس هادي بانهم قد خلعوا الاستلام عن انفسهم وباعوا انفسهم ودينهم للشيطان.
فهذا يعني بالضرورة إن الفتوى تكفيرية صريحة لا جدال فيها ,ويترتب عليها نتائج وخيمة يتحمل صاحبها ومن أوعز له بها المسئولية الدينية والأخلاقية والجنائية, كما تحمّلها ولو أخلاقيا سلفه الشيخ عبدالوهاب الديلمي فهذه الفتاوى وما يترتب عليها من جرائم وازهاقا للأرواح من غير حق,لا تسقط بالتقادم ,على الأقل من الناحية القانونية الدولية.
الشيء الأخر من الشبه بين هاتين الفتويين هو أن صاحبيها أي الديلمي والمطاع تعمدا ألا يعلنان صراحة عن أن ما قالاه هو فتوى دينية بالمعنى الحرفي والفقهي للفتوى, لكونهما يعرفان انهما سيُجابهان باعتراض واستنكار شديدين من قبل كثيرا من علماء الدين المتحررين من ربقة السياسية وقيودها ,ومن قبل المؤسسات الدينية الاسلامية المختلفة, ناهيك عن اعتراضات المجامع الفقهية والبحثية, ولهذا فقد تعمد الشيخ عبدالوهاب الديلمي عام 94م ان تكون فتواه عبارة عن تصريح عادي لإذاعة صنعاء قاله خلسة من الجهات والهيئات الدينية كهيئة علماء اليمن مثلا ,وذلك حتى يتملص فيما بعد من أي لوم أو تقريع. وهذا بالفعل ما جرى بعد ذلك , فهو ومن بعد عامين تقريبا من نهاية حرب 94م تحلل من مضمون كلامه وتبرى من مغزى فتواه ,حين يقول أن كلامه لم يكن أكثر من تصريح عابر وتلبية لطلب إذاعة صنعاء ,وانه ليس من الفتوى بشيء.!
– العلامة محمد المطاع أتبع نفس الطريقة للتملص من قوله, حين نشر على استحياء يوم الثلاثاء فتواه آنفة الذكر على شكل مقالة رأي صحفية أرسلها الى مواقع إخبارية اليكترونية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي إلكترونية موالية ومقربة من الطرف السياسي والفكري الذي ينتمي له.