آن أوان الجبهة الوطنية الجنوبية العريضة

2016-01-09 22:56

 

بعد ندائي للقادة السياسيين الجنوبيين المنشور منذ نحو اسبوعين، في عدد من الصحف والوسائل الإعلامية والمواقع الإلكترونية والذي تضمن الدعوة لإقامة جبهة وطنية جنوبية عريضة تتصدى لمهمات المرحلة الراهنة حتى استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة، تلقيت الكثير من ردود الأفعال والتعليقات عبر وسائل الاتصال المختلفة، وفي حين أيدت غالبية التعليقات والرسائل ما تضمنه النداء وطالبت القيادات السياسية الجنوبية بالتسارع لعقد شكل من أشكال العمل الجبهوي الجنوبي العريض، ركز عدد من الأصدقاء والزملاء المعلقين والمتصلين على الأسماء التي وردت في مقدمة الرسالة، فاعتبر البعض هذه الأسماء ميتة سريريا وقال البعض الآخر أنهم سبب بلاوي الجنوب وأضاف ثالث أن الإشارة إلى تلك الأسماء هو أشبه بمحاولة إيقاظ الموتى، لكن أحدا من كل الذين علقوا على موضوع الرسالة من منطلق الاعتراض لم يقل شيئا عن مضمون الدعوة وهدفها، وهو ما يعني إما أن هؤلاء لم يعيروا اهتماما لموضوع النداء وحصروا اهتمامهم في الجهات الموجه إليها النداء، أو أنهم يعترضون ولكن لأسباب غير مفهومة لم يعلنوا عنها، أو إنهم يوافقون على الدعوة لكنهم يعترضون على الجهات المخاطبة في النداء، وعلى كل حال فإن موضوع الجبهة الوطنية العريضة ليس أمرا يعني من يسمون أنفسهم بالقيادات التاريخية، بل هو أمر موجه للقادة الميدانيين الفعليين وخصوصا أولائك الذين كانت لهم مواقف مشهودة خلال المواجهات المسلحة مع الغزو الثاني، وهم يمثلون السواد الأعظم من قواعد الحراك السلمي الجنوبي، وعدد كبير من المواطنين العاديين الذين أبلوا بلاء حسنا خلال المواجهة مع الغزاة، وبطبيعة الحال لا يستثنى من هذا قادة المكونات الحراكية التي غدت هي الأخرى تاريخية.

 

منذ يومين تلقيت دعوة عبر خدمة الووتسأب التي صارت اليوم أكثر خدمات التواصل الاجتماعي انتشارا وربطا بين الناس، من مجموعة من الأكاديميين والناشطين السياسيين للانضمام إلى مجموعة ضاغطة باتجاه انعقاد "مؤتمر جنوبي جامع" وهي الدعوة التي تبناها الزملاء "مثقفون من أجل جنوب جديد" ونالت من الأخذ والرد زمنا ربما تزاحمت فيه أولويات أخرى جعلت هذا الموضوع في مؤخرة الاهتمامات.

 

قلت للزملاء الذين تواصلوا معي أن كل الأحاديث التي تدور عن وحدة القيادة تثير من المخاوف أكثر مما تولد من الطمأنينة، خصوصا وإن الكثيرين ممن يتحدثون عن وحدة القيادة لم يتحدثوا عن مصير المكونات السياسية التي ستتحد في هذه القيادة: هل ستذوب وتنتهي من خلال تلك القيادة الموحدة أم تبقى مكونات مستقلة، وما هي حدود الوحدة والاستقلالية فيما بينها؟ ونحن نعلم أن الكثير من القيادات للأسف تخشى من الاندحار من الموقع الأول والكثير هو مع وحدة القيادة لكن بشرط أن يكون هو الرئيس، وتلك المخاوف والاعتبار لها طبيعة ذاتية لا علاقة لها بالتحديات الكبيرة والمخاطر الجسيمة التي تحيط بالثورة الجنوبية ومهماتها الراهنة والمستقبلية.

 

إن الجبهة الوطنية العريضة هي خيار متميز كونها تقدم حلا لتشظي القوى السياسيية الجنوبية وتناثرها مثلما تحمي هذه القوى وتؤكد استقلاليتها التنظيمية والسياسيةوهو ما يعني أنه ينبغي أن تتحاشى الدعوة إلى هذه الجبهة الوقوع في أحد أمرين خطيرين وهما:

1. التوحيد الاندماجي الذي يلغي الفوارق والتمايزات لكنه في الحقيقة يلغيها تعسفيا بينما تبقى التباينات سنة طبيعية وموضوعية، ولذلك فهو ينقل الخلافات بين المكونات المتحدة إلى داخل المكون الاتحادي الجديد، كما إنه يتعسف الواقع ويضع اللبنات الأولى للأحادية كشكل غير محمود للعمل السياسي المستقبلي.

 

2. تقديس التباينات والاختلافات وتحويلها إلى غاية ينصرف السياسيون إليها ويتناسون القضايا والتحديات والقواسم المشتركة الكثيرة التي تجمعهم معا في خندق واحد.

وفي الحالتين لا التوحيد الاندماجي يمكن أن يصنع أداة سياسية ديمقراطية معافاة قادرة على تمثيل كل ألوان الطيف السياسي الجنوبي وتحقيق كل التطلعات المشروعة للشعب الجنوبي، ولا استمرار الخصام والتنازع والمماحكات السياسية يمكن أن تسمح بالتصدي للتحديات الكبرى التي تنتصب أمام الجنوب والجنوبيين.

 

إن ميزة الجبهة الوطنية العريضة تمكن في إنها من ناحية توحد كل ألوان الطيف السياسي الجنوبي حول الهدف المركزي لنضال الشعب الجنوبي، وهو استعادته لدولته الجنوبية في حدود العام 1990م لما تعارف عليه تاريخيا باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ومن ثم الشروع في وضع أسس ومداميك الدولة الجنوبية الجديدة والنواظم الأساسي لعملها، ومن ناحية أخرى فإن هذا التحالف العريض (الجبهة الوطنية الجنوبية العريضة) يسمح لمكوناته السياسية وكل المنضويين فيه بالاحتفاظ بتميزهم السياسي والتنظيمي والفكري وتراثهم التاريخي، بل وحتى نقاط التباين التي لا ينبغي أن تمنع من تعزيز هذا التحالف وتحسين أدواته وردم الفوارق والتباينات بين مكوناته.

 

إن دعوتنا للجبهة الوطنية العريضة هذه المرة ليست موجهة لأشخاص بعينهم، ولا لتنظيمات وأحزاب سياسية بعينها بل هي موجهة لكل الناشطين السياسيين الجنوبيين من أحزاب سياسية ومكونات حراكية ومقاومين مسلحين ومن رجال المال والأعمال ومن الوجهاء الاجتماعيين والدعاة الدينيين ومن الأكاديميين والمثقفين والأدباء والمبدعين وكل المؤمنين بالحق التاريخي لشعب الجنوب في أن تكون له الدولة المستقلة المعبرة عن هويته وتطلعاته وحلم أجياله المختلفة عبر التاريخين القريب والبعيد.

وسنتناول في القريب العاجل آليات ووسائل بناء هذا الشكل من أشكال العمل التحالفي الوطني الجنوبي والذي نسميه الجبهة الوطنية الجنوبية العريضة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* رئيس مركز شمسان للدراسات والإعلام