اذا كانت الحكومة اليمنية فعلا جادة الي تقديم القادة الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح الي المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الأنسانية في عدن والجنوب وفي تعز وبقية المحافظات الشمالية عليها ان تقوم بتفعيل مصادقة مجلس النواب اليمني علي اتفاق روما التاسيسي لللمحكمة في جلسة المجلس بتاريخ ٢٤ مارس ٢٠٠٧ وتراحع مجلس النواب بعدها باسبوعين عن المصادقة بالتصويت ضد الاتفاق في ٧ ابريل ٢٠٠٧ في سابقة اولي من نوعها في تاريخ البرلمانات للدول النامية ودول العالم
ولمساعدة الحكومة للقيام بواجبها ومسؤلياتها في تفعيل قرار المصادقة اضع امامها مقالي الذي كتبته في صحيفة الايام بتاريخ ١٩ ابريل ٢٠٠٧ تحت عنوان [صحة التصديق وبطلان قرار التراجع عن اتفاقية روما ] الذي شرحت فيه اسباب تاكيدي صحة التصديق علي الاتفاق واسباب بطلان قرار التراجع عن التصديق استنادا الي نصوص الدستور واللائحة الداخلية لمجلس النواب وقواعد القانون الدولي وفق اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام ١٩٦٩
واشير هنا الي إمكان الحكومة والسلطة الشرعية الاستعانة بالأخوين محمد علي الشدادي نائب رذيس هيئة مجلس النواب والأخ عبد العزيز جباري مستشار الرئيس هادي وعضو مجلس النواب للحصول علي النسخة الرسمية للمذكرة المرفوعة من مجلس النواب الي رئيس الجمهورية بتاريخ ٢٦ مارس ٢٠٠٧ التي تفيد بمصادقة المجلس علي الاتفاقية في جلسته المنعقدة بتاريخ ٢٤ مارس ٢٠٠٧ لاستكمال إجراءات إصداره مما يعني ذلك كما اوضحته في المقال ان العملية انتهت بتصديق المجلس واصبح الدور مقتصر علي رئيس الجمهورية الي العمل علي نشر التصديق في الجريدة الرسمية وليس ان يعاد بحث موضوع المصادقة من عدمها من جديد الي مجلس النواب كما حدث لاحقا
ان دعوتنا الحكومة بتفعيل المصادقة التي تمت في مجلس النواب علي النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية يعطيها الحق بالمبادرةمباشرة الي تقديم الرئيس السابق والقيادات الحوثية الي المحكمة الجنائية وبسحب البساط عن اطراف دولية اخري التي تسعي الي خلط الاوراق لدوافع سياسية بحتة تهدف بدرجة اساسية الي توجيه الاتهام الي المملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي بإرتكابهم جرائم حرب ضد المدنيين اليمنيين
فهل بأستطاعة الحكومة اليمنية اخذ المبادرة السريعة حول إمكانية تفعيل قرار المصادقة علي اتفاق روما وهي في الاصل التي استدعت قوات التحالف العربي لدعم الشرعية ومساعدتها في مواجهة الانقلابيين وقوات صالح لينالوا جزائهم عن جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي ارتكبت بدم بار ضد المدنيين الذين من المفترض انهم يعتبروا مواطنيين ومن حقهم الوقوف ضد البربرية وعسكرة النظام الذي يقال انه ديمقراطي فهل ستعمل الحكومة ذلك ام ستتقاعس وتتباطأ في
التحرك
بريطانيا ٢٧ سبتمبر ٢٠١٥
صحة التصديق وبطلان قرار التراجع عن اتفاقية روما
«الأيام» د. محمد علي السقاف:
في يوم السبت 24 مارس 2007 تعلن الصحف الرسمية للدولة اليمنية عن مصادقة مجلس النواب على انضمام اليمن إلى اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية («الثورة» بتاريخ 25/3/2007 العدد «15474»)، وصفقنا لهذا القرار الإيجابي الذي اتخذه مجلس النواب والذي يجعل اليمن الدولة الرابعة من بين الدول العربية التي تصادق على اتفاقية روما.
في يوم السبت 7 أبريل 2007 ، مجلس النواب يقر بطلان التصويت على انضمام اليمن للمحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي يتراجع عن إقراره لاتفاقية روما («الثورة» بتاريخ 8/4/2007 العدد «15488»). إنها حالة استثنائية إن لم تكن نادرة على المستوى العالمي أن يحدث مثل هذا الانقلاب الأبيض في موقف البرلمان في غضون أسبوعين فقط ينتقل فيها من التصويت لصالح الاتفاقية إلى بطلان التصويت المؤيد للاتفاقية. إنها فضيحة دولية في تاريخ سجل البرلمانات الوطنية تمس هيبة الدولة اليمنية وسمعتها وتزعزع الثقة في تصرفاتها.
وجاءت تصريحات أعضاء البرلمان الموافقين وغير الموافقين على إعادة الاتفاقية للتصويت عليها من جديد لتظهر مدى الحاجة الماسة إلى تحسين مستوى ثقافتهم القانونية سواء على مستوى فهم مبادئ القانون الدولي الخاص بالاتفاقيات الدولية أم على مستوى فهم التشريعات الدستورية والقانونية النافذة في البلاد، برغم قناعتنا أن غالبية النواب يفهمون التشريعات الوطنية لكنهم يتغاضون عنها في بعض الحالات لدوافع سياسية أكثر من جهلهم بها.
اختيار عنوان المقالة بصحة التصديق وبطلان قرار التراجع عن اتفاقية روما في حاجة إلى تقديم الأدلة والحجج التي استندنا عليها في اختيار هذا العنوان، مع الإشارة في الوقت نفسه إلى حجج الأطراف الأخرى التي بنت عليها قرارها في بطلان التصويت على انضمام اليمن، لنتعرض في الأخير إلى الانعكاسات السلبية التي يثيرها قرار التراجع عن اتفاقية روما والموقف المطلوب اتخاذه من قبل رئيس الجمهورية لتدارك تلك الآثار السلبية على سمعة اليمن الدولية.
أولاً: الحيثيات ذات الطابع القانوني
- مشاركة اليمن في اجتماع روما بتاريخ 17/7/1998 إبان التحضير للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
- توقيع اليمن في 28/12/2000 على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وجرى التوقيع عليه في آخر لحظة من الفترة التي كانت محددة للتوقيع في 31/12/2000 .
- إحالة الحكومة إلى مجلس النواب اتفاقية المحكمة للتصديق عليها بتاريخ 6/12/2003 («الثورة»في 7/12/2003 العدد«14270») وإحالة نائب رئيس مجلس النواب بتاريخ 20/12/2003 لنظام روما إلى لجنة الشؤون الدستورية والقانونية بالمجلس لدراسته.
- انعقاد أعمال المؤتمر الإقليمي للديمقراطية وحقوق الإنسان ودور المحكمة الجنائية الدولية في 11-12 يناير 2004، وصدور إعلان صنعاء في 12/1/2004 .
- مجلس النواب يصادق على انضمام اليمن إلى اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية في يوم السبت 24 مارس 2007 ، عقدت الجلسة برئاسة د. عبدالوهاب محمود، نائب رئيس المجلس:
التصويت بالموافقة = 43 عضواً
غير الموافقين = 20 عضواً
(ملاحظة): هذه الأرقام لنتائج التصويت لم تنشرعند المصادقة على الاتفاقية، وإنما نشرت لاحقاً عند إقرار المجلس ببطلان تصويت المصادقة، لذا وجب التنويه بذلك.
- مجلس النواب يرفع مذكرة إلى رئيس الجمهورية بتاريخ 26 مارس 2007 تطالب الرئيس بالاطلاع على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ووثيقة التصويت عليه لاستكمال إجراءات إصداره بعد موافقة المجلس على الاتفاقية في جلسته المنعقدة بتاريخ 24/3/2007 . وقد نشرت صحيفة «الوسط» بتاريخ 11/4/2007 العدد (143) صورة الخطاب المرفوع إلى رئيس الجمهورية من مجلس النواب.
- جلسة مجلس النواب التي يقر فيها بطلان التصويت على انضمام اليمن إلى اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية المنعقدة يوم السبت 7 أبريل 2007 برئاسة يحيى الراعي نائب رئيس المجلس:
الموافقون على إعادة الاتفاقية (للتصويت عليها من جديد) = 83 عضواً
غير الموافقين = 51 عضواً
- النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية هو معاهدة دولية متعددة الأطراف تخضع مبادئها لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية، مايو 1969 .
ثانياً: الأبعاد القانونية للجدل حول موضوع صحة التصديق على اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية
انحصر الجدل بين أعضاء مجلس النواب وعلى مستوى الصحافة في نطاق صحة التصويت الذي جرى في مجلس النواب في جلسة يوم 24 مارس 2007 من عدمه، والتي صادق فيها على انضمام اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفي خضم هذا الجدل تناسى المؤيدون والمعارضون للاتفاقية الرجوع إلى نصوص الدستور واللائحة الداخلية لمجلس النواب من جهة، ومن جهة أخرى الاحتكام إلى قواعد القانون الدولي.
1) موقف الدستور ولائحة مجلس النواب
أ- موقف الدستور اليمني:
بعد توقيع اليمن في 28/12/2000 على النظام الأساسي للمحكمة، وافق مجلس الوزراء بدوره على النظام الأساسي وفق نص المادة (137/ د) من الدستور، تم إحالته من قبل الحكومة إلى مجلس النواب بتاريخ 6/12/2003 .
لماذا أحيل إلى مجلس النواب؟ لأن المجلس هو الذي خوله الدستور التصديق على مثل هذه الاتفاقيات، فالمادة (92) من الدستور تقضي «بأن يصادق مجلس النواب على المعاهدات والاتفاقيات السياسية والاقتصادية الدولية ذات الطابع العام أياً كان شكلها أو مستواها خاصة تلك التي يحتاج تنفيذها إلى إصدار قانون» والخطوة التالية بعد تصديق مجلس النواب يتولى رئيس الجمهورية وفق المادة 119/12 من الدستور «إصدار قرار المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات التي يوافق عليها مجلس النواب».
(ب) لائحة مجلس النواب :
النواب الذين اعترضوا على جلسة المصادقة على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية بحجة بطلان إجراءات ونتائج التصويت التي جرت في جلسة مجلس النواب بتاريخ 24 مارس الماضي تثير الدهشة والاستغراب وعلامات استفهام كبيرة عن خلفية هذا الموقف وأبعاده غير المعلنة.
لتأكيد صواب موقف المعارضين ببطلان إجراءات ونتائج التصويت يعلن للجمهور والمراقبين أن التصويت بالموافقة على الاتفاقية لم يتجاوز عدده (43) عضواً وغير الموافقين على الاتفاقية بلغ عددهم (20) عضواً، ويصرح بهذا الصدد الأخ علي أبو حليقة، رئيس لجنة الشؤون الدستورية والقانونية في مجلس النواب لصحيفة «26 سبتمبر» عدد الأسبوع الماضي رقم (1316) «إن الضوابط الدستورية والقانونية ولائحة مجلس النواب تقضي بأن يتم التصديق على مثل هذه الاتفاقية بموافقة ربع أعضاء المجلس إضافة إلى عضو واحد أي (76) عضواً من أعضاء المجلس على الأقل، كما تقضي بأن يتم التصويت على الاتفاقات والمعاهدات الدولية بواسطة جهاز الكمبيوتر، وقال إن ذلك لم يحدث في جلسة 24 مارس».
أعتقد أن هذا التصريح يفتقر إلى الدقة خاصة حين يدلي به رئيس لجنة الشؤون الدستورية في المجلس، فالمادة (92) من الدستور التي أشرنا إليها أعلاه، وكذا المادة (132) من اللائحة الداخلية لم تحددا إطلاقاً الأغلبية المطلوبة في التصويت على مثل هذه الاتفاقيات، إضافة إلى ذلك لم تشترط اللائحة أن يتم التصويت بواسطة جهاز الكمبيوتر على الاتفاقات والمعاهدات الدولية، فالمادة (112) من اللائحة الداخلية قضت بأنه «يجب أخذ الرأي بالنداء بالاسم (أو) عبر جهاز الكمبيوتر في الأحوال التالية: مشروعات القوانين والاتفاقيات والمعاهدات...» إذن لم يحصر هذا النص على جهاز الكمبيوتر في التصويت على الاتفاقيات، حيث بالإمكان أيضاً التصويت بالنداء بالاسم أو عبر جهاز الكمبيوتر. إذن حشر الدستور في تبريرعدم صحة التصويت لا أساس له من الصحة لعدم تناول الدستور ذلك ولا اللائحة بخصوص الأغلبية المطلوبة في التصويت على مثل هذه الاتفاقية!
أما بخصوص قوله إن التصويت للتصديق على مثل هذه الاتفاقية يتطلب موافقة ربع أعضاء المجلس إضافة إلى عضو واحد أي (76) عضواً من أعضاء المجلس، فلعله بذلك يشير إلى نص المادة (106) من اللائحة التي صيغت بشكل متناقض في أحكامها.
ماذا تقول المادة (106)؟
تقول: «لا يجوز للمجلس أن يتخذ قراراً إلا إذا حضر الجلسة أغلبية أعضائه، وفيما عدا القرارات التي يشترط فيها أغلبية خاصة تصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للحاضرين... وفي كل الأحوال لا يجوز اتخاذ قرار بأقل من ربع أعضاء المجلس زائد واحد» وأوجه التناقض والتعارض في هذه النص هي كالآتي:
القول بأنه فيما عدا القرارات التي يشترط فيها أغلبية خاصة تصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للحاضرين، كيف يمكن توفيق هذه الأغلبية المطلوبة بالنص الأخير بعدم جواز اتخاذ قرار بأقل من ربع عدد أعضاء المجلس زائد واحد؟ ففي باب التعاريف لقانون اللائحة، الأغلبية المطلقة نصف عدد أعضاء مجلس النواب زائد واحد، لكن الأغلبية المطلقة المنصوص عليها أعلاه في المادة (106) لو جاء دون ذكر الحاضرين لاحتسبت وفق التعريف، لكن القول إن الأغلبية المطلقة للحاضرين تحتسب على أساس نصف الأعضاء الحاضرين زائد عضو واحد وليس على أساس نصف أعضاء مجلس النواب زائد واحد، الأمر يختلف كلية بين المصطلحين، وبناءً عليه إذا اعتبرنا أن الأرقام التي ذكرت بأن عدد من صادقوا على الاتفاقية بلغ (43) عضواً ومن لم يوافقوا (20) عضواً أي بإجمالى (63) عضواً صوتوا (لا يعرف عدد الحاضرين الذين حضروا الجلسة وامتنعوا عن التصويت) فإن الأغلبية المطلقة من المصوتين 16 1 أي 17 عضواً وهم أقل ممن أدلوا لصالح الاتفاقية، وفي هذه الحالة يتناقض مع شرط عدم جواز اتخاذ قرار بأقل من ربع عدد أعضاء المجلس زائد واحد.
وهنا لم يقل النص بأقل من ربع عدد الأعضاء الحاضرين بل من عدد أعضاء المجلس. لماذا لم يقل ذلك في شرط الأغلبية المطلقة من عدد أعضاء المجلس واكتفى بالقول بالأغلبية المطلقة للحاضرين؟
ثالثاً: لماذا التصديق على الاتفاقية كان صحيحاً؟
أسباب اعتقادنا بل قناعتنا أن التصديق على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية كان صحيحاً يستند إلى معطيات الدستور واللائحة الداخلية، حتى وإن شابها بعض علامات الاستفهام، فإن معطيات مبادئ القانون الدولي تؤكد صحتها بشكل مطلق.
1) الدستور واللائحة الداخلية:
مثلما سبق الإشارة فإنه لا الدستور في المادة (92) ولا اللائحة الداخلية في المادة (132) حددت الأغلبية المطلوبة بالمصادقة على مثل هذه الاتفاقية، مما يفتح الباب للاجتهاد. الأمر الثاني وبالعودة إلى المادة (106) من اللائحة التي نصت في مطلعها على أنه «لا يجوز للمجلس أن يتخذ قراراً إلا إذا حضر الجلسة أغلبية أعضائه...» فهل يعقل أن رئاسة مجلس النواب قد فتحت باب التصويت على الاتفاقية دون التأكد من حضور أغلبية أعضاء المجلس الجلسة؟ وأعضاء المجلس البالغ عددهم 301، ألا يعني ذلك أكثر من 150 عضواً؟ أم أن هذا الشرط بحكم المعتاد في تصويت المجلس لا يتم الالتزام به؟ إذا كان ذلك صحيحاً برغم مخالفته للائحة لماذا يتم التمسك به بخصوص اتفاقية المحكمة؟ وقد يأتي الرد على ذلك بالقول إن حجة المعترضين بنيت على أساس عدم توفر عدد 76 عضواً من أعضاء المجلس، وليس على أساس ضرورة حضور الجلسة أغلبية أعضاء المجلس؟ ولكن الرد على ذلك لماذا يتم التمسك بالشرط الأخير من المادة 106 بعدم توفر ربع عدد أعضاء المجلس لإبطال التصويت المصادق على الاتفاقية، ولا يذكر شرط بداية المادة 106 بأنه لا يجوز للمجلس أن يتخذ قراراً إلا إذا حضر الجلسة أغلبية الأعضاء؟ فإذا كان عدد الموافقين على إعادة الاتفاقية قد بلغ 82 عضواً متجاوزاً شرط الـ76 عضواً، فإنه لا يلبي شرط بداية المادة (106) لأن عدد الموافقين 83 غير الموافقين على إعادة الاتفاقية 51 بإجمالي 134 عضواً لا يمثلون شرط حضور أغلبية الاعضاء الجلسة؟ الغريب في الأمر هنا أنه لم يذكر عدد حضور الجلسة في الحالتين لجلسة 24 مارس، وجلسة 7 أبريل، لماذا لم تسرد ضمن الاحصائيات لنعرف مدى توفر هذا الشرط أم لا؟
- إذا لم تحدد اللائحة في المادة (132) الأغلبية المطلوبة للمعاهدات والاتفاقيات التي هي من اختصاص مجلس النواب وحده في التصديق عليها مثل اتفاقية المحكمة فإن المادة التالية برقم (133) من اللائحة حددت بالنسبة للاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بالدفاع والتحالف والصلح والسلم والحدود التي يتوجب المصادقة عليها من مجلس النواب في اجتماع مشترك مع مجلس الشورى بأن يتم التصويت عليها بأغلبية الحاضرين، فإذا كانت طبيعة وأهمية هذه الاتفاقيات تتطلب اجتماعا مشتركا لمجلس البرلمان للتصويت عليها بأغلبية الحاضرين أليس من المفترض بغياب عدد النصاب المطلوب للاتفاقيات (الأدنى) أن يصوت عليها بأقل من ذلك أو على الأكثر أن يتم التصويت بأغلبية الحاضرين؟
- المادة (134) من اللائحة بخصوص الاتفاقيات والمعاهدات تشير إلى أن على مجلس النواب «أن يصادق عليها أو يرفضها أو يؤجل نظرها، وليس له أن يعدل نصوصها، وفي حالة الرفض أو التأجيل يوجه المجلس نظر الحكومة إلى الأسباب التي أدت إلى ذلك» ويلاحظ في هذا النص أنه أشار فقط إلى ثلاث حالات (المصادقة أو الرفض أو التأجيل) ولم يتحدث عن إمكان إعادة النظر في قرار المصادقة كما حدث في جلسة 7 أبريل، ولا يمكن اعتبارها تأجيلاً لأن التأجيل هنا لا يمكن فهمه إلا في نطاق تخصص جلسة المجلس للمصادقة، ثم تبين عدم توفر شرط حضور الجلسة من أغلبية الأعضاء وفق المادة (106) وليس بعد تصويت المجلس لصالح التصديق يقال إن الجلسة أُجلت. فلم يحدث تأجيل في التصويت، بل تم التصويت بالمصادقة وبالتالي تتعارض جلسة 7 أبريل مع المادة (134) من اللائحة من حيث إضافتها حالة جديدة خارج نطاق التصويت، أو الرفض أو التأجيل.
- رفع هيئة مجلس النواب مذكرة إلى رئيس الجمهورية بتاريخ 26 مارس 2007م لاستكمال إجراءات إصداره بعد موافقة مجلس النواب على الاتفاقية في جلسته المنعقدة بتاريخ 24/3/2007م والآلية المتبعة هنا بالنسبة للاتفاقيات نصت عليها المادة 119/12 من الدستور بأن يتولى رئيس الجمهورية «إصدار قرار المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات التي يوافق عليها مجلس النواب». السؤال هنا هل يعقل أن الدكتور عبدالوهاب محمود، نائب رئيس المجلس الذي ترأس جلسة المجلس في 24 مارس الذي صادق على الاتفاقية وهو الرجل المحنك الذي ترأس عدة جلسات سابقة في التصديق على اتفاقيات عديدة يجهل نصوص الدستور ولائحة المجلس ليعلن مصادقته على الاتفاقية وإرسالها إلى رئيس الجمهورية لإصدار قرار المصادقة ونشره في الجريدة الرسمية؟ أشك في عدم معرفته بالنصوص أو أن يرتكب خطأ جسيماً ذات طابع دولي مثل عملية التصديق على اتفاقية روما! ومن أخطاء أعضاء مجلس النواب هذه المرة من بين الموافقين على التصديق الذين اعتقدوا أن الرئيس بإمكانه إعادة الاتفاقية إلى المجلس وعدم إصدارها فهذا غير جائز دستوريا ويتعلق هذا الافتراض فقط بمشاريع القوانين التي يحق للرئيس وفق المادة (102) من الدستور طلب إعادة النظر في أي مشروع قانون أقره مجلس النواب، بينما الدستور خصص الفقرة 12 من المادة 119 أن على رئيس الجمهورية إصدار قرار المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات التي يوافق عليها المجلس فقط لا غير ذلك، لأن المعاهدات غير قابلة للتعديل أو التحفظ مثل اتفاقية روما، في حين إعادة النظر في مشاريع القوانين يعني إمكان أن يتضمن إعادة النظر تعديل بعض نصوص مشاريع القوانين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أنوه بخطورة النقطة التالية: أن لا تقع مؤسسة الرئاسة بنفس فضيحة مجلس النواب إذا قبلت الرئاسة إعادة الاتفاقية إلى مجلس النواب إما على أساس المادة (102) من الدستور للأسباب التي واضحناها قبل قليل، أو بسبب أن إجراءات التصويت بالمصادقة لم تكن صحيحة، لأنه إن وافق على ذلك يكون قد نصب نفسه كمحكمة دستورية يفصل في أمور خلافية بين أعضاء المجلس، فأمامه مذكرة مرفوعة من المجلس تفيد بالمصادقة على الاتفاقية ودوره وفق النص الدستوري المادة (119/12) ينحصر في «إصدار قرار المصادقة» لا أكثر ولا أقل.
2) موقف القانون الدولي
فاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 التي صادقت عليها اليمن تنص المادة (27) منها على سمو الالتزامات الناشئة من المعاهدات الدولية على تلك الناشئة عن أحكام القوانين الوطنية حيث تقول «مع عدم الإخلال بنص المادة 46، لا يجوز لطرف في معاهدة أن يتمسك بقانونه الداخلي كسبب لعدم تنفيذ هذه المعاهدة.»
وقضت المادة (46) من الاتفاقية بأنه لا يجوز للدولة أن تتمسك بأن التعبير عن ارتضائها قد تم خلافاً لحكم في قانونها الداخلي متعلق بالاختصاص بإبرام المعاهدات كسبب لإبطال رضاها إلا إذا كان إخلالاً واضحاً بقاعدة ذات أهمية جوهرية من قواعد قانونها الداخلي، فالقانون الدولي هنا لا يعنيه في شيء خرق قواعد القانون الداخلي من قبل رئيس الدولة فالدول الأخرى الأطراف في المعاهدة تعتد بالظاهر أياً كانت المخالفات الدستورية التي ارتكبت، ولو أخضعنا سريان المعاهدة للدستور الداخلي فمعنى ذلك أن القانون الدولي أصبح تابعاً للقانون الداخلي، وهذا يتناقض مع ما درج عليه القضاء الدولي من سمو الأول على الأخير ويعد من قبيل عدم الجدية بل ومن قبيل سوء النية أن تأتي الدول بعد مراحل متعددة ومتوالية خلال إبرام المعاهدة من مفاوضات وكتابة لنص المعاهدة وتوقيع عليها وبعد ذلك كله تدعي أن التصديق جاء مخالفاً لدستورها الداخلي! ففي افتتاح أعمال المائدة المستديرة التي نظمتها اللجنة الوطنية العليا لحقوق الإنسان بالتعاون مع الصليب الأحمر في الأسبوع الأول من مارس 2002 أكد الأستاذ علي الآنسي، نائب رئيس اللجنة (التي استبدلت بوزارة حقوق الإنسان) «أن اليمن من الدول المؤسسة لنظام المحكمة الجنائية الدولية، حيث شارك الوفد اليمني بفعالية في كل التحضيرات سواء قبل أو أثناء التوقيع بالأحرف الأولى على هذا النظام.. وأن حكومة الجمهورية اليمنية قامت بالتوقيع على النظام الأساسي للمحكمة في ديسمبر 2000» («26 سبتمبر» بتاريخ 14/3/2002، العدد 1000) فإذا كان القانون الدولي - كما أشرنا باختزال - يقر التصديق الناقص للاتفاقيات الدولية التي لم يتبع فيها القواعد والإجراءات المنصوص عليها في الدستور الداخلي، فما بال الحال إذا كان تصديق مجلس النواب في جلسته بتاريخ 24 مارس لم ينتهك أي نص دستوري، والخلاف يتعلق حول مدى توفر التصويت الصحيح أثناء التصديق وفق اللائحة الداخلية للمجلس، والذي بينا فيه بعض جوانب التعارض والغموض في نص المادة 106 والغموض في معرفة عدد حضور الجلسة من أعضاء المجلس. أقول إن قيام الرئيس باعتماد التصديق وإصداره لا ينتهك الدستور فهل يفعل ذلك؟ وإلا بجانب الأضرار الجسيمة لسمعة اليمن الدولية في حالة عدم إصداره التصديق سيستغل ذلك لدعم مطالب شركة «هانت» في نزاعها مع الحكومة كمثال لإظهار صعوبة الوثوق بالدولة اليمنية، فالحكومة وافقت على التمديد لها ونقضه البرلمان، والآن في اتفاقية المحكمة وافقت الحكومة، وصادق البرلمان ليعود البرلمان لنقض تصديقه الأول، وهنا هدية كبرى لهانت!