سقطرى، تلك الفاتنة التي ترقد في قلب بحر العرب، حظها الحسن جعلها بعيدة عن مركز الصراعات في الركن الجنوبي للجزيرة العربية، وحظها السيء جعلها ملاحقة بلعنة الجنسية التي تحاصرها وتكاد تخنق أنفاسها. فمنذ 25 مارس من العام 2015 وحتى اللحظة تعيش هذه الجزيرة الآسرة حالة غير مسبوقة من الحصار غير المعلن.
لا أحد يذكر سقطرى أو يلتفت إليها أو يسأل عنها، لا أحد يتنبه لأكثر من 150 ألف نسمة، يمتلكون هويات تنسبهم إلى الجمهورية اليمنية. سلميتهم وابتعادهم عن مراكز الصراع في دولة الجمهورية اليمنية، جعل الداخل والخارج لا يلتفت إليهم، لا حكومة بحاح ولا لجنة الحوثي. لا التحالف العربي، ولا التآمر الفارسي، ولا الأمم المتحدة ولا المتفرقة.
هذه الجزيرة منذ سبعينات القرن الماضي، كانت تعتمد على طائرات النقل العسكرية، ومن ثم في فترة قريبة تم افتتاح مطارها المدني للرحلات المدنية الداخلية وسير بداية العام 2015م رحلات دولية من وإلى دبي، وقد كانت الرحلة الأخيرة يوم الأربعاء 25 مارس، أقفل الجو اليمني ومعها بالضرورة جو سقطرى إلى هذه اللحظة.
صحيح أن سقطرى لا تعيش حالة حرب ولا صراع، مع أي طرف، ومع ذلك تعيش الحصار الفعلي، فلا غذاء ولا دواء ولا مشتقات نفطية ولا غاز ولا سيولة نقدية في المصارف وشركات الصرافة، في حين أن صنعاء التي تعيش قصفا بالطيران ليل نهار، وتعز التي تعيش حصار الحوثي حتى اللحظة، وحضرموت التي تعيش أجواء الإمارة الإسلامية، كل هذه المناطق مازالت تتواصل مع العالم عبر البحر وأحيانا عبر الجو، أو بالتهريب من وإلى هذه المناطق.
سقطرى هذا المكان الجميل، ربما نراه يلفظ أنفاسه أمام أعيننا دون أن يكون لنا أي دور في إنقاذها، إنقاذ هذه الدرة الكامنة، إنسانا وطبيعة. سقطرى المصنفة ثاني أغرب جزيرة في العالم، ربما ستضيع من بين أيدينا. فلمن يوجه أبناؤها النداء، فلا الحكومة تنتبه لهم، ولا التحالف يصغي إليهم.
سقطرى ملك للإنسانية ولكل محب للخير والجمال، هل من مستجيب لنداء استغاثتها؟ إن الحكومة الآن هي المسؤول الأول، وهذا النداء إلى رئيس الجمهورية، وإلى نائبه ورئيس الحكومة الأستاذ خالد بحاح، بوصفهما المسؤولين مسؤولية مباشرة عن جزيرة سقطرى، والحفاظ عليها، والنداء أيضا لكل الجمعيات الدولية لا سيما منظمات الأمم المتحدة بوصف الجزيرة محمية طبيعية عالمية معترف بها من منظمة اليونسكو، وفي الأخير علينا أن نتساءل كما يتساءل أبناؤها: هل سقطرى محمية عالمية، أم محاصرة عالميا؟
* بقلم : د. محمد المحفلي