الحامد عوض الحامد
معطيات الأحداث الجارية على الساحة الجنوبية اليوم وخاصة مع التطورات على المحيط الإقليمي والدولي التي تظهر تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفا من انفلات الوضع في أي لحظة على الساحة الجنوبية إذ هناك مؤشرات مقلقه تتشكل على الواقع ..
كل ذلك يتزامن مع ظهور قضايا ثانوية على الساحة الجنوبية, كقضية عدن للعدنيين والخروج بمظاهرة ترفع ذات الشعار, وحدوث صدام مع مسيرة أخرى للحراك الجنوبي والتي أكد المشاركون خلالها على أن عدن لكل أبناء الجنوب دون استثناء, وهناك قضية حضرموت, وغيرها هي قضايا يقف وراءها المحتل دون أدنى شك بالنسبة للخطاب الحراكي, ويراد من ورائها إيجاد تصادم بين أبناء الجنوب.. لكن إن سلمنا الأمر لهذا القول فحسب دون النظر لوجود خلفية من المعاناة الشعبية ترتكز عليها أي قوى تنادي بمطالب أضيق من مطلب دولة الجنوب داخل الساحة الجنوبية فلا يؤدي ذلك والتعامل معها بناء على ذلك فلن يؤدي إلا نحو تمزق فعلي.
فلماذا على سبيل المثال لا نقول إن ما يحدث اليوم يشبه ما حدث في ستينيات القرن الماضي عندما أدركت بريطانيا أنها مغادرة فذهبت لتأسيس الجمعية العدنية (عدن للعدنيين), التي تبنت مطالب فصل عدن عن الجنوب؟ ولماذا لا ننظر لمطالب العصبة الحضرمية من زاوية الارتباط بالسياسات السعودية ويقابلها أو كأحد مسبباتها ارتباط التيار الأكبر داخل الحراك بطهران بدلا من التفكير بخفة وضيق؟
يتزامن كل ذلك مع الأخبار الكثيرة مؤخرا عن ضبط العديد من شحنات الأسلحة في أكثر من ميناء يمني وهي شحنات أغلبها قادمة من تركيا وغيرها, وتختفي حكاية تلك الشحنات دون يظهر أي تحقيق عن حقيقتها وخلفيتها, وقبل أيام توفي بظروف غامضة الملازم ثاني غالب الحسني أحد أبطال كشف حمولة الأسلحة التركية المهربة في الحديدة, والأمر يضع أمامنا العديد من علامات الاستفهام.
فيما الحراك الجنوبي بحضرموت وبخفة متناهية يقيم عرضا عسكريا وأعلن الشيخ احمد بامعلم رئيس مجلس الحراك بحضرموت أن العرض سيكون النواة الأولى لتأسيس الجيش الجنوبي الحر.
الأمر لا يبدو جاء من فراغ, خصوصا بالتزامن مع عزم مجلس الأمن عقد جلسته القادمة بصنعاء, أستطيع الجزم أن التصريح لم يكن حصيفا ولا يستند لخلفيه تنظيم وإعداد حقيقي إطلاقا لما تحدث عنه بامعلم، لذا لم يكن حصيفا وبسطحية هناك في الحراك من يريد أن يقول إن العرض يراد منه التلويح بخيار مسلح للحراك إذا ما نظرت الجلسة بجدية بشأن الجنوب بغير صالح قضيته.
أو أننا سئمنا سنوات من التجاهل الدولي للقضية الجنوبية.. لكنه لا ينظر للأمر من زوايا أخرى بأن هناك من يريدك أن تقول ذلك حول وجود خيارات أخرى، فضلا عن أنه سيكون للأمر تبعات سلبية سواء كان صحيحا أو كلاما فاضيا.
أقلها وأضعف الإيمان لماذا لا نفكر أننا لا نريد لحراك بامعلم مثلا أن يكون خفيفا لدرجة يكون فقط مطية لقوى أخرى تمتهن القتل وتجارة السلاح ويتمركز نفوذها خارج إطار الجنوب لكن لها امتدادها وتأثيرها.
بالمقابل من ذلك وبشكل متواز في الشمال هناك حملة تحريضية ضد المشير هادي من قبل كتاب وصحف شمالية تتجلى بوضوح ولم تعد في حكم التكهنات, وتتهم المشير هادي من خلال بعض التعيينات والقرارات العسكرية التي أصدرها مؤخرا بتسليح الجنوب وذلك كتمهيد لانفصاله عن الشمال,هي رسائل يراد منها تحريض الشارع في الشمال ضد المشير ليثار ضده, بالتأكيد لصالح قوى شمالية وليس جنوبية.
فيما نجد القوى المحسوبة على هادي جنوبا وداخل الحراك أيضا أو قريبة منه تحشد للرجل وتحاول استثمار الحملة لصالحها وهادي من باب أن الحملة التحريضية ضد المشير تهدف لتصفية الرجل أو استبعاده من موقعه لضمان بقاء الوحدة وكأنها تريد القول وإقناع الناس أن هادي هو جزء من حراك الجنوب وأهدافه السياسية وفي ذات الوقت تقوية هادي بتخويف الشمال بنزوعه نحو الجنوب.
ويبدو واضحا زيادة حدة الخلاف بين المشير هادي واللواء الأحمر خاصة بعد إعلان ناطق الفرقة الأولى مدرع قبل أيام أن اللواء الأحمر باق بمنصبة حتى استقرار البلاد, يجعل الأمر بمثابة إعلان صريح ونهائي لتمرد علي محسن الأحمر على قرارات المشير هادي, وذلك بدوره هو واحد من المؤشرات الأخرى التي تؤدي بدورها إلى حالة جديدة في الوضع ربما عنيفة وبدوره سيلقي بضلاله على الساحة الجنوبية دون أدنى شك طالما وصراع هادي في صنعاء مع قوى شمالية ضمن نطاق القوى النافذة فحسب باتت مرتبطة ولها امتدادها جنوبا بشكل عام وداخل نطاق المساحة الحركية بشكل خاص كما أسلفنا في الفقرة السابقة.
مع الإشارة لإعلان وزارة الدفاع حول تجنيد الإصلاح لأكثر من 200 ألف مجند من غير علمها خلال العاميين الماضيين, وهذا مؤشر آخر بل دليل لوجود تمهيد صامت لمرحلة قد تشهد عنفا وليس الجنوب ببعيد عنها خاصة مع موجة قوية في الخطاب السياسي للحراك عن اقتراب مرحلة الحسم الثوري بالتزامن مع اتهام الإصلاح لوزير الدفاع بتسليح اللجان الشعبية ومثلها في عدن بصورة سرية.
جنوبا نشاهد في الفترة الأخيرة وبالتزامن مع كل ما ذكر أن هناك مكونات عديدة تظهر أو تحاول أن تتشكل وتتبلور معتمدة على الضجيج والتأثير بالناس بنشاطها الترويجي كمكونات إضافية تزاحم وتدعي الثورية فضلا عن مؤتمرات سياسية تعقد باسم الجنوب بالداخل أو الخارج, وأخرى تحاول أن تعقد وهناك أطراف وشللية تزاحم أيضا بتقديم الرؤى والمبادرات وكلها تدعي صحة رؤاها وتحاول تعميمها على الجميع ومنها من يحاول لعب دور المنقذ من وضع مشتت وكل ذلك بدوره يولد زعامات وقيادات جميعها تتزاحم أيضا لتكون في الواجهة كممثلة شرعية للشعب الجنوبي.. كل هذا الخلط والتسابق يأتي من قوى أو أشخاص أو شلل تحاول فرض نفسها من خلال لعب دور المنقذ وتؤدي لإضعاف دور المكونات الأساسية القائمة منذ ظهور الحراك والتي رغم تعددها إلا أنها كانت معروفه وواضحة للجميع شاركت وساهمت في تكون الحراك بوضعه القائم اليوم وظهور الشللية الجديدة لا يؤدي سوى إلى التشتيت ومضاعفة الضبابية في المشهد على حساب تلك الأطراف والمكونات الأصلية ما قد يؤدي إلى لجوئها إلى خيارات أخرى غير سلمية والملاحظ إن خطابها السياسي يزيد يوما عن آخر في ترديد (كل الخيارات مفتوحة).
وقبل ذلك على قوى الحراك أن تكون أكثر حصافة بخطابها السياسي وتصريحات قادتها وأكثر فهما وإدراكا للوضع وإبعاده بقراءته قراءة سياسية معمقة ولسنا بحاجة لخطاب عاطفي أو ارتجالي مبني على التخمين وإن أصابت، لأن من بين نتائج التخمين هو الضرر البالغ.
ومن مصلحة قوى ومكونات الحراك الحقيقية ومنها المجلس الأعلى للحراك والحركة الشبابية والطلابية واتحاد شباب الجنوب الأصلي والمكون الذي يقوده النوبة والمجلس الوطني الأعلى وغيرها من المكونات الأصلية أن تخطو بالوضع لمرحلة العمل السياسي الحقيقي وأن تقدم أي مبادرات أو رؤى عن طريق المكونات التنظيمية الحقيقية للحراك بدلا من اجتهادات أفرادها أو قادتها أو أشخاص محسوبين عليها فيما يقدمون رؤى ومبادرات بالطرق الشللية وباسم شلل لا يعلم لها طرف والخروج من حالة الجمود السياسي التي تظهر بها بعض تلك التيارات كالتيار المتمركز في بيروت أو الأخرى في الداخل لأنها كيانات تنظيمية قائمة ولها جمهورها بدلا من تمزيقها وجمهورها على شلل أخرى وأدعياء وإن لم يكونوا أدعياء لبادروا في إطار تلك المكونات لا بالقفز أو التحايل عليها وهم مجرد أشخاص.
الحامد عوض الحامد
العاصمة عدن