السادة آل باعلوي الحضارمة حماةُ العقيدة، وخُدّام الكتاب والسنة وفرسَانُ دعوة الإسلام (الجزء الثاني)

2015-09-10 05:03
السادة آل باعلوي الحضارمة حماةُ العقيدة، وخُدّام الكتاب والسنة وفرسَانُ دعوة الإسلام (الجزء الثاني)
شبوة برس- خاص - جدة

السادة آل باعلوي الحضارمة حماةُ العقيدة، وخُدّام الكتاب والسنة وفرسَانُ دعوة الإسلام (الجزء الثاني)

 

بقلم/ د. محمد أبوبكر باذيب

 

أسباب ودوافع هجرة السيد المهاجر:

كتب عددٌ من الباحثين عن الأسباب التي دعت السيد أحمد بن عيسى للهجرة من البصرة، وهي تتلخص في أسباب سياسية، ودوافع دينية.

 

فأما الأسباب السياسية فكان منها خراب البصرة على أيدي الزنج عندما ثاروا بين سنتي 255 و270 للهجرة، ثم ظهور القرامطة والشيعة الباطنية. فكانت تلك الأسباب مجتمعة دافعة له إلى الهجرة(5). لكن سبباً مهماً، كان أكبر الدوافع، أو من أكبرها، وهو خشيته على عقائد ذريته أن تختلط بعقائد دخيلة، أخذت طريقها، آنذاك، في الانتشار، بالسنان واللسان، وهي بدعة الرفض، لاسيما وهو من أوسط بيوت العلويين الحسينيين نسباً وحسباً. ولما كان أهل البيت أدرى بالذي فيه، فإننا نسوق مجموعة من أقوال أكابر السادة آل باعلوي، الذين تحدثوا في كتبهم عن هذه الحيثية بكل وضوح وصراحة.

 

نصوص كبار علماء آل باعلوي

في أن سبب هجرة جدهم السيد أحمد المهاجر من البصرة

كانت الخوف عليهم من التلبس ببدعة الرفض

 

النص الأول: قول السيد العلامة الجليل، الشيخ علي بن أبي بكر (ت 895هـ)، متحدثاً عن هجرة جده الأعلى السيد المهاجر رحمه الله: «.. وكان انتقاله من العراق بأهله وأولاده وأصحابه، الى أن استقروا بتريم. وكان تريم المحروسة موطن أولاده وذريته، ومنزل عقبه وخلفه. وكان في ذلك سلامتهم مما التبس به أشراف العراق من العقائد الفاسدة، وفتن البدع وظلماتها، ومخالفة السنة وأهلها، وموافقة الشيعة في قبائح معتقداتهم، وربما كان ذلك بسبب سكنى العراق»(6).

 

النص الثاني: قول السيد العلامة، المؤرخ المكي الشهير، محمد بن أبي بكر الشلي باعلوي (ت 1093هـ) في كتابه «المشرع الروي» من ترجمته للسيد المهاجر: «كان ... صحيح العقيدة، ذا سيرة حميدة»، وقال على لسانه: «وجبت الهجرة من هذه الديار، لما حدث فيها من الابتداع والأشرار»(7)، وقال في موضع آخر: «ولما وصل السيد الإمام أحمد بن عيسى تلك الديار، قصدته الأخيار، وعملت المطي إليه من أقصى القفار ... ودخلت الخوارج تحت الطاعة، وعلمت الأباضية أنهم ليس لهم بأهل السنة استطاعة، وقام بنصرة السنة حتى استقامت بعد الاضمحلال ... ورجع عن البدعة الى السنة جم غفير»(8).

 

النص الثالث: قال العلامة المحقق السيد عبدالله بن أحمد بلفقيه باعلوي (ت 1112هـ) في كتابه «الدرر البهية» في سياق بعض الأسانيد، عند ذكر السيد أحمد المهاجر: «.. وأحمد هذا، هو أول خارج من العراق، إلى أن توطن حضرموت، وذلك فراراً بدينه من الفتن التي حصلت في العراق، سيما في الأشراف، حيث دخلوا في الرفض، ففر بدينه لذلك»(9)، انتهى.

 

النص الرابع: قول العلامة السيد عيدروس بن عمر الحبشي باعلوي (ت 1314هـ) في كتابه «عقد اليواقيت الجوهرية»، الذي عليه المدار في معرفة الرواية والإسناد في حضرموت خصوصاً، في القرنين الثالث والرابع عشر الهجريين: «ومن أسباب ارتحال سيدنا أحمد بن عيسى الى حضرموت: غلبة أهل البدع بالعراق، ودخول الأذى على الأشراف العلويين، وشدة الامتحان لهم، وأمور شنيعة كثيرة متعددة ...، وبعد خروجه الى هذه الأزمان، زادت في تلك الجهة من البدع أنواع كثيرة، يعرفها من نظر في كتاب «النوافض للروافض»، للسيد محمد البرزنجي». وقال في موضع قبل هذا، في الصفحة نفسها: «فسلمت الذرية والأتباع، مما شان أهل العراق من البدع وقبيح المعتقد»(10).

 

تصريح علماء آل باعلوي

أنهم على السنة والجماعة، وتصريح غيرهم فيهم

قال الشيخ العلامة، شيخ مؤرخي حضرموت، عبدالرحمن الخطيب التريمي (ت 855هـ) في كتابه «الجوهر الشفاف»: «.. ولم يتفق لسواهم من كمال الشرف النبوي ... مع كمال النزاهة والطهارة من أنواع البدع، والحطوط النفسانية، مع كمال الاتباع للكتاب والسنة»، الى آخر كلامه(11).

وقال العلامة الشيخ أحمد بن عبدالله بلحاج بافضل (ت 929هـ) المقتول شهيدا على أيدي الغزاة البرتغال في ساحل الشحر: «فحصت على أكثر الأشراف في الآفاق، وساءلت عنهم الواردين الى مكة والمدينة، وعن صفتهم، فوصفوا لي وعرفوني أخبارهم، فما وجدت على الاستقامة وطريق الكتاب والسنة مثل بني علوي الحسينيين الحضرميين»(12).

 

وهذا السيد العلامة محمد بن علي خرد باعلوي (ت 960هـ) الشهير بالمحدث، في كتابه «الغرر» وهو في تراجم أكابر آل باعلوي، ومصدر مهم عن حضرموت في القرن العاشر الهجري وما قبله، لا يذكر أحداً من مترجميه من أشراف آل باعلوي إلا ويقول فيه: «الشريف الحسيب النسيب، السُّنِّي الحسيني»، وهذا كثير في كتابه.

وفي ترجمة السيد الجليل الحسين بن عبدالله العيدروس باعلوي (ت 923هـ)، أن والده السيد الإمام عبدالله العيدروس باعلوي (ت 865هـ) قال: «كنت كثيراً ما أسأل الله في السجود أن يرزقني ولداً عالماً، سنياً، وأرجو أن يكون ولدي الحسين»(13).

 

قال السيد العلامة أحمد بن حسن الحداد باعلوي (ت 1204هـ) في كتابه «الفوائد السنية»: «والإمام عبيدالله بن أحمد وذريته، هم أشراف حسينيون سنيون»، وقال في موضع آخر: «وكلهم شافعية أشعرية، على عقائد أهل الكتاب والسنة»(14).

 

وقال العلامة السيد أبوبكر بن عبدالرحمن بن شهاب الدين باعلوي (ت 1341هـ) في كتابه «رشفة الصادي»، في اعتراضه على قول بعضهم: «من النوادر شريف سني»: «كان الأحق والأولى أن يقال: من النوادر شريف غير سني، لأن البطون العظام، والعائلات الكثيرة العدد، من هذا البيت المطهر، كلهم، والحمدلله، سنيون معتقداً ومشرباً، من السادة العلوية الحسينية بحضرموت وبجاوة والهند، وكأشراف الحجاز بني قتادة الحسنيين، ..»(15)،  الى آخر كلامه

 

أقوالهم في الاعتقاد

وفق مذهب السلف الصالح من أهل السنة والجماعة

قال الإمام الحداد في خاتمة كتابه النافع «النصائح الدينية»: «خاتمة الكتاب في عقيدة أهل السنة والجماعة»، الى أن قال: «وأنه تعالى مقدس عن الزمان والمكان، وعن مشابهة الأكوان، ولا تحيط به الجهات، ولا تعتريه الحادثات. مستو على عرشه على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواء يليق بعز جلاله، وعلو مجده وكبريائه»(16)، وقال: «وأنه تعالى سميع بصير، متكلم بكلام قديم أزلي، لا يشبه كلام الخلق. وأن القرآن العظيم كلامه القديم، وكتابه المنزل على نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم»(17).

 

ولعلماء آل باعلوي، وهم أشاعرة، اختيارهم في مسألة التأويل، فمنهم من يميل إلى التفويض، يتضح ذلك في قول العلامة السيد عبدالرحمن بلفقيه، في «شرح القصيدة الفريدة في خلاصة العقيدة»، ما نصه: «واعلَم أن هذه الصفات وإن كنا لا نحيطُ بها، ولا نعلم كنهها، لكنها قطعاً صفات كمالٍ، وقد أثبتها تعالى لنفسه، وليس في إثباتها له على ظاهرها إشكالٌ. وأما ما ظاهرُه مشكلٌ، من المتشابه الذي جاء في القرآن والسنة، كإطلاق الوجه، واليدين، والرجل، والفوق، والنزول، والمجيء، والاستواء، وغير ذلك مما أفردَ بالتأليف، واشتهر في التصانيف. ففيه مذهبان: أحدهما: مذهب السلف الصالح، وكثير من الخلف، تفويضُ المراد منه إلى الله تعالى، وردّ علمه إليها، والسكوت عن التأويل مع الجزم بأن الظواهر المؤدية إلى الحدوث والتشبيه غير مراده. وقد سئل الإمامُ مالكٌ، رحمه الله تعالى، عن قوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾. فقال: الاستواء معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ، والإيمان به واجبٌ، والسؤال عنه بدعة. وقال الإمام الشافعي: آمنَّا بما جاء عن الله، على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله. وقال السهروردي عن الصوفية: «وأجمعوا في كل مكانٍ على هذا المعنى، أن يقولوا فيه كما قالَ مالكٌ في الاستواء». وهذا المذهبُ هو المختار عندنا. والمذهب الثاني: التأويلُ بالدليل العقلي، على ما تقتضيه لغةُ العرب، وإنما صَار إليها أكثرُ الخلَف: لظُهور الشّبه وأهلها، المشبهين بالباطل على أهل الحق، فتعين المصيرُ إليه، خصوصاً مع ظهور فهمِه، وبروز علمِه»(18)، انتهى.

فأنت ترى أن العلامة بلفقيه يرجح مذهب التفويض، لا التأويل، الذي عليه أكثر الخلف، ما يدل على أن علماء آل باعلوي ليسوا مقلِّدين تقليداً أعمَى كما قد يظن بهم من لا يعلم أقوالهم، ولم يقرأ مصنفاتهم.

 

ويقول العلامة السيد محمد بن محسن العطاس (ت بعد 1245هـ)، في رسالته «تنزيه الذات والصفات من درن الإلحاد والشبهات»: «ونقول: رضينا بالله، على مراد الله، كما قاله خير القرون، الذين هم بالله وصفاته عارفون، من الخلفاء الراشدين، والصحابة والتابعين، ومن على سننهم من أئمة المسلمين»(19). وهذا السيد محمد كان شيخ السادة بمكة، وكان صهره الشريف غالب بن مساعد (ت 1221هـ)، وأرسله الشريف الى حاكم بلاد نجد (وقتذاك) الأمير سعود بن عبدالعزيز، في مهمة سياسية، وكان رفيقه في تلك المهمة الشيخ العلامة محمد طاهر سنبل المكي، رحمهم الله(20).

 

تعظيم السادة آل باعلوي للصحابة الكرام أجمعين:

نقل العلامة السيد محمد بن علي خرد باعلوي (ت 960هـ) في كتابه النافع المفيد «الغرر» عن كتاب «توثيق عرى الإيمان» للبارزي رحمه الله، قوله: «.. ومن علامة محبته [أي النبي صلى الله عليه وسلم) محبة أصحابه، ومن علامات محبة أصحابه: محبة ذريتهم، وخصوصاً أولاد الصديق، والفاروق، وعثمان، وسائر العشرة، وذرياتهم. وسائر أولاد المهاجرين والأنصار. وأن ينظر إليهم المؤمن اليوم نظره إلى آبائهم بالأمس، لو كان معهم. ويعلم أن نطفهم طاهرة، وأن ذريتهم ذرية مباركة، وأن يغضي المؤمن عن انتقاد أولاد الصحابة، كما أغضى عن انتقاد ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل البيت، لأنهم قوم شرف الله ذريتهم وأخلاقهم، فلا تغلب عليها أفعالهم، كما تغلب الأفعال فيمن أقذارهم بحسب أفعالهم»(21)، انتهى.

 

* يتبع بالجزء الثالث

* للاطلاع على الجزء الأول: اضغــــــــط هنــا