الفكري والشعري، في ( يوميات الشنفرى في Netherlands ) للجريري، سعيد.(*)
بقلم : محمد المحفلي
قبل عام تقريبًا قرأت مقالاً، للدكتور سعيد الجريري، في صحيفة القدس العربي كان عنوانه: هجرة الشنفرى!، أدركت حينها أن المقال لا يرمي إلى الغوص في جماليات البعد الإنساني في عمل الشنفرى الإبداعي، الخالد في لاميته الشهيرة، ولا في بقية النماذج التي سردها المقال، لطرفة بن العبد وتميم بن مقبل وشمس الدين التبريزي، بل بدا الأمر أشبه بتلبس هذه الشخصية والتماهي في الشعور الإنساني الذي يدعو كل تلك النماذج إلى البوح على أشكال مختلفة، ففي حين اكتفى طرفة بالتعبير بالألم، تمنى تميم أن يكون حجرا، أما الشنفرى فلم يكتف بالتعبير فقط، ولا بالتمني، ولكنه، مارس فعلاً، يعتقد أنه الأفضل لمواجهة ذلك الشعور المؤلم فاتخذ من الصحراء والفلاة بكل وحوشها، ملجأ ناعماً يضاد في سلوكه سلوك مجتمعه، مجسداً كل ذلك في قالب فني شعري، استحق به الخلود من كل تلك المعطيات الموضوعية والفنية واستغراقها في عمق الذات الممثلة لكل ما هو إنساني بصورة عامة.
أدركت حينها وأنا أقرأ ذلك المقال أنه يتعدى مجرد التعبير اللحظي عن حالة ألم عابرة، وأن الأمر قد يصل إلى حالة تخلق كائن يولد من رحم هذه المعاناة إبداعياً وفكرياً ورؤيوياً -بحسب عبارات المقال نفسه- وأننا بانتظار كائن إبداعي يخلد تلك اللحظات الإنسانية التي تخلَّق عن مثلها عمل الشنفرى وطرفة وابن مقبل.
فبعد عام من ذلك المقال، يخرج إلى الوجود ديوان شعري يحمل العنوان: من يوميات الشنفرى في Netherlands، فكان المقال: هجرة الشنفرى، مدخلاً للوصول إلى هذه اليوميات. لقد كان العنوان حينها غير مرتبط بشكل كامل بمضمون النص، على عكس ما لو أعدنا قراءته الآن، فبين أيدينا يوميات الشنفرى، التي بدأ كتابتها على طريق هجرته.
الشنفرى في ذاكرة التاريخ الفكري والإنساني، هو مجموعة من القيم التي رفضت واقعاً فرض نفسه بقوة النفوذ السياسي والاجتماعي، فعبرت عن هذا الرفض بوسائل مختلفة، يميل بعضها إلى الطريقة المادية بالسلوك والفعل المباشر والمتمثل في الصعلكة، التي عمدت إلى السطو على أملاك الأغنياء والإنفاق منها، ومن ثم إعطاء الفقراء. وطريقة الرفض باللغة، بوساطة الشعر، كما فعل وغيره من الشعراء الصعاليك، بيد أن ما يميزه هو أنه أضاف شيئاً آخر لهاتين الطريقتين، فقد حاول بناء عالم خاص به، ليس من الخيال، وإنما بوساطة إضفاء المعاني الإنسانية التي يفتقدها في عالمه الحقيقي على ذلك العالم الجديد المتشكل في القفار، وبسكانه المميزين، سيد عملَّس وأرقط زهلول وعرفاء جيال، وغيرهم.
يأتي الديوان، حاملاً عنوانه الصادم، (من يوميات الشنفرى في Netherlands)، ليضع بداية لشنفرى العصر الحالي، وبإسقاط مباشر على الذات الشاعرة، داخل نصوصه، التي ستحمل مذكراته، والتي بشر بها المقال قبل عام من الآن، وهو شنفرى جديد ومختلف ويحمل زاوية رؤية مختلفة لوضع مختلف، وإن اشترك مع الشنفرى الجاهلي في لحظة الألم الإنسانية العامة.
إن أول سؤال سيتبادر إلى القارئ هو عن تلك العلاقة بين مقدمة الديوان التي هي المقال ذاته المنشور قبل عام، وبين متن النص. فهل تكشف المقدمة أوراق النص؟ وهل تفسد متعة القراءة؟ وما موقع تلك المقدمة بين الحمولة الفكرية والشعرية للمتن؟.
إذا كان متن الديون ككل قد استفاد من الثقل الرمزي للشنفرى، فإنه يمكن القول: إن هذه الشخصية قد برزت -بصورة شاملة- على ثلاثة أشكال، الشكل الأول في المقدمة بوصف الشنفرى موضوعاً فكرياً للتأمل الفكري الإنساني، وهذا الموضوع الفكري أو الحالة الإنسانية البالغ أثرها في التاريخ والثقافة العربية والإنسانية، قد انعكس بعد ذلك في متن نصوص الديوان؛ ليظهر الشكلان اللذان هما في الأصل شكل شعري واحد، ولكن يتشظى فيهما الضمير على شكلين فنيين، يبدو في الأول الشنفرى بلسانه متكلماً، وفي الآخر مخاطباً، وهو تنويع فني في وجهات النظر الشعرية داخل النص، وبهذا يكون عندنا في النهاية شكلان رئيسان، الأول الشنفرى بمنظور المفكر المتأمل في أبعاد لحظات التعبير الإنسانية العميقة -وهذا في المقدمة- والآخر: الشنفرى وقد تلبس الذات الشاعرة، أو تلبَّسته الذات الشاعرة، ولكن على وفق رؤية جديدة وموضوع جديد ومعالجة مختلفة، وإن اشتركت معه كما هو مع غيره في عمق المشكلة الإنسانية العامة؛ وبهذا تكون المقدمة قد اشتغلت في محور مختلف، تنزع فيه إلى الجانب الكاشف للأعماق الإنسانية في تلك النماذج المذكورة، في حين يعمل متن الديون على الغوص في تلك الأعماق.
شنفرى نيذرلاندز:
يتجاوز الشنفرى في متن الديوان فكرة القناع في الشعر العربي الحديث، وإن كان يأخذ الخريطة الرئيسة ذاتها في التعامل مع الشخصية التاريخية، من حيث أبعادها الموضوعية والفنية، فلدينا المسار التاريخي للشخصية وتقاطعه مع المسار المعاصر. وفاعلية الذات الشاعرة الناظمة للمسارين، على وفق رؤية جديدة ومعاصرة، ولكنها تشترك في الكل؛ للتوغل في عمق التجربة الإنسانية العامة.
لقد عمدت أغلب النصوص التي جعلت من تقنية القناع أداة لكتابة النص الشعري لوضع نص أو أكثر على لسان تلك الشخصية، حتى وإن سمي عمل كامل بشخصية قناعية كما في ديوان: من أغاني مهيار الدمشقي، لأدونيس، ولكن ما يميز بناء المتن هنا هو أن الشنفرى قد سيطر على البناء الكلي للديوان، سيطرة في العمق الدلالي للنص، فقد جاءت المقدمة بقلم المبدع ذاته، وكأنما هي مقدمة المبدع ناقداً عن الشنفرى بوصفه كائناً آخر، سيأتي اشتغاله بذاته في النصوص اللاحقة. ثم عندما يتجلى الشنفرى في النصوص لا نجد له نصاً يستحوذ عليه، فلا يوجد عنوان واحد من العناوين الداخلية خاص بالشنفرى، لذلك نجده يكتب بذاته تلك النصوص وحتى وهو يراسل آخرين ومن عصور مختلفة.
ثم إنه يبدو أحياناً كاتباً عن ذاته في الطائرة أو في القطار أو في الحافلة:
" أمستردامُ/ ضاق الأفق بي/ فأتيتُ/ فرداً/ ليس يؤيه زحامُ
فضُمِّيني أمستردامُ/ بي بردٌ/ وصيفك دفئُهُ/ للواجفين سلامُ".
ونجده في لقطات أخرى، واصفا ذاته من زاوية بعيدة وخارجية منفصلة عنه:
"ها أنتَ/ وحدَكَ
في طريقٍ،/ لستَ تعرفُ منتهاه/ والريح تعوي في فيافي الجنة الخضراءِ.
وحدكَ
في الطريقِ/ على قطارٍ/ لست تعرفُ من خطاه/ شيئاً سوى
Zwollo تُسلمك إلى Emmen
حيثُ الكامبُ/
والغرباءُ مثلُكَ بانتظَارِ عَدَاَلةِ الغُرباء.."
إذا الشنفرى هنا يبدو أولاً في المقدمة كما يراها المبدع الناقد المفكر، وهو يضع مقدمة لهذه النصوص الجديدة التي توثق يومياته ليس في الصحراء بل في غابات هولندا وريفها. وفي القسم الآخر يبدو الشنفرى، وهو يروي تفاصيل تلك اليوميات، حيناً، ومخاطباً أقرانه في الهم الإنساني والعربي العام بدءاً من العصر الجاهلي وانتهاء بالتقاطعات الإنسانية التي تلامس اللحظة الآنية، لحظة الكتابة، بكل ما يعتمل فيها من خصوصية الألم والهم المعاصر لعالم المبدع.
لقد امتدت رسائله القصيرة لتتجاوز كل العصور ومن ثم كل الأمكنة فخاطب: طرفة بن العبد، امرأ القيس، وأبا الطيب المتنبي، وتميم بن مقبل، وغويا، وعجوز بيتر بيخسّل، وشمس الدين التبريزي. وهي شخصيات تتعدد بمرجعياتها من التاريخ، إلى الفن، إلى الفلسفة، ولكنها تتقاطع فيما بينها لتشكل في النهاية مجموعة من القيم الإنسانية الغائبة التي تبحث عنها تلك الشخصيات، أو أنها تركت أثراً في تاريخ الإنسانية متعلقاً بجوهرها، منحها نوعاً من الخلود مرتبطاً بها.
شنفرى أم أكثر؟
تسيطر على الديوان ملامح الشنفرى ليس بوصفها ذاتاً بشرية بل بوصفها حالة إنسانية، هي حالة الرفض للواقع المزري، ومن ثم اختيار الرحيل عن هذا المحيط الذي أصبح مكاناً غير صالح لاستمرار العلاقات الإنسانية بصورتها النموذجية المرتجاة، ومن ثم البحث عن عالم بديل، وطن بديل، أهل غير الأهل، وأصدقاء غير الأصدقاء، وظروف حياة غير الظروف. حيث يعيد من هذا المكان اكتشاف الأشياء، وإعادة توصيفها على وفق رؤية جديدة، قد تكون هي الرؤية الإنسانية في أبسط تجل لها.
كما يجتمع داخل هذا الشنفرى كل المعاني الإنسانية من أزمنة مختلفة، نجد أن الوطن هو الآخر يجتمع داخله بين الهنا والهناك، حتى عندما يغادر الشنفرى وطنه باحثاً عن وطن بديل، فإن هذا الوطن البديل يظل مسكوناً ومؤثثاً بالوطن الذي غادره، وهذ ما هو مسكون في كل تفاصيل المتن، فقد جاء في أول نص:
"أمستردامُ/ لي وطنٌ/ أضاعتهُ الحماقةُ/ في زحامٍ/ قاااااحلٍ/ وطنٌ/ يلوذُ به الحيارى
كان يؤوي/ كل من ضاقتْ به الآفاقُ/ مثلي، الآن/ أوَّاه‘."
فيأتي رد أمستردام في آخر النص:
" أقبلْ.../ صدورُ مطيهمْ/ أنأى إليكَ ... ودربها غربانُ
والكونُ منأى للكريم،/ فلذ بشمسي،/ لستُ كالصحراء .../ لذ بي/ ما استطعت،/ كما تشااااااءُ ..."
فالوطن الحلم، الوطن بمنظوره الرومانسي الجميل، كان في عالم الذات في الماضي، ولكنه الآن أصبح في مستقبله، مع الوطن البديل الذي يبحث عنه، وهو أيضاً في قمة انبهاره بهذا الوطن الذي ليس كالصحراء، في اللحظة نفسها، يظل مسكوناً بالوطن الذاكرة، الموسيقى، والفن، والرقص الشعبي: (زربدة، هبيش، عدة) أو "قمير ساهر في (خلف) ترقصه أغان لا تنام".
إن هجرة الشنفرى، هذه الهجرة المزدوجة، تمثل رحلة بين عالمين وبين زمنين، وبين حالتين مختلفتين تماماً، ومنها يتم إعادة اكتشاف الأشياء، وإعادة تقييم المفاهيم، حيث يكون للوطن مفهوم مختلف عن الانتماء، ويكون مجموعة من القيم التي يحملها معه، وحتى الغربة تغادر مفهومها البسيط المتمثل في ابتعاد الذات عن المكان الذي عاشه وتربى فيه،:
"ها أنت،/ تنأى،/ ثم تنأى،/ ثم تنأى،/ في الأمان وفي الجمااال/ وترى خلال الجنتين:/ صوراً/ مشاهدَ/ من هنااااااك/ حيث الحماقةُ حيث اغترابك
تضرب الأطناب في كل اتجاه ها هناااااااااااااااااك
حيث البلاد/ يقامرون بها على كل رصيف/ حيث الخراب،/ حيث السراب،/
حيث الدماااااااء...."
فالوطن إذا هو هذا الحلم الذي أصبح حقيقة هنا، مجموعة من الأمان والجمال، وهجرة الجنتين من المفهوم التاريخي إلى الواقع الذي يحيطه من كل اتجاهاته، ثم تتداعى له من بعيد كل مقومات الاغتراب، القادمة من الوطن، وهكذا أصبحت الغربة بالمعنى المباشر للاغتراب هي الوطن، وأضحى الوطن بالمعنى السطحي هو الغربة بمفهومها العميق.
إن الوطن ونقيضه الغربة ليست تلك المفاهيم السطحية بل هي منظومة من القيم العميقة التي يعيد النص بسطها من خلال اللغة البسيطة أيضاً، فالوطن هو هنا الأمان والجمال ويختصره في الجنتين، أما الغربة فهي الخراب والسراب والمقامرة بالوطن، والدماء، ولو كان ذلك هو المكان الذي عرفه وعاشه وترعرع فيه.
إذا كان الشنفرى قد عمد لاختيار وحوشه الخاصة، وجعلهم أهلاً وأصدقاء جدداً، فإن الشنفرى الحديث، كان أبعد موئلا في البحث عن وحوش أخرى أكثر شعرية، وهي بكلها تؤثث المجتمع الجديد الذي يملأ المكان والزمان بعناصر الحياة الجميلة:
"الصمت/ وحشي لذيذ ههنا/ والليل حتى الليل/ مجنون الهدوء
حتى المطر/ يا للمطر/ همس/ الظهيرة/ والمساء
يا شنفرى،/
إن القصيدة تجتليك."
فالوحوش التي لجأ إليها هذا الشنفرى، هي الصمت بمفهومه الإيجابي المولد للإبداع، بوصفه هنا صمتاً صانعاً لحياة جديدة، من بطون اللغة، وكذلك الليل، والمطر، وهمس الظهيرة والمسا. إنها وحوش الوطن البديل، فمنها ما يتعلق بالزمان ومنها ما يتعلق بالمكان، وبأبعاده المختلفة، فهو هنا يقدم أيضاً مفهوماً مختلفاً للأنسنة والتوحش، فحتى الصمت هنا صمت وحشي إيجابي، وهو بكل تأكيد يختلف عن الصمت غير اللذيذ الذي يتعلق بالمكان الآخر الذي غادره.
وإذا كان قوام متن النص يعمد إلى البحث بصورة مركزة عن المعاني الإنسانية في المتغيرات البشرية منذ بداية الخلق وحتى لحظة التخلق، فإن الشنفرى قد رصد ملامح دهشته من اكتشاف هذا الإنساني عبر رصد أهم تجلياته في الوطن البديل الذي رآه:
"كأن الله/ -جل الله- / أنشأ خلقه/ أمس، هنا/ ثم استوى/ فتبارك الرحمن ثم تبارك الرحمن".
إنها لحظة الاكتشاف وذهولها، إذ يكتشف الإنسانية البكر كما خلقها الله، قبل أن تعبث بها كل المتغيرات السلبية للبشر، ثم وهو يسجل هول هذا الاكتشاف (هنا) يظل مسكوناً بحالة الموازنة، مع (الهناك):
"كأن الشنفرى/ في ثامن الأيام لا يدري/ أكان الله في الصحراء/ حيث الوحي والقرآن/ أم ما يراه الآن: أن الشنفرى/ إنسان!."
لقد أعاد الشنفرى لحظة اكتشاف الإنسانية وبالموازنة مع الإنسانية هناك وهو ما جعله يتساءل هذا التساؤل الصادم، فالشنفرى في يومه الثامن في هذا المكان الجديد، وكأنه يقول: إن الله الذي خلق الكون في ستة أيام ثم استوى إلى عرشه، يفصل عن هذا الحدث يوم واحد هو يوم هجرة الشنفرى ليصل إلى هذا المكان في يومه الثامن ليرى الإنسانية على بساطتها كما خلقت تماماً، في حين أن الصحراء التي تقول إنها تعمل بموجب أخلاق القرآن وتعاليمه، لم تعد تحتفظ بشيء من تلك التعاليم ولا ببساطة الإنسانية الكامنة فيه.
لا يمكن القدرة على تأمل كل ما تضمنه هذا الديوان المكثف بلغته وصوره وتشكيلاته، وفي حيز يوازيه، ولكن يمكن القول: إن هذا المتن قادر على التعبير بصورة أوسع بكثير، وهو يمتلك من الأدوات الفنية ما يجعله معبراً بصور مختلفة. ويمكن لقارئه أن يجد فيه من التفاصيل الدقيقة ما يعكس قدرة فنية راقية في صب الصور الشعرية، والتعبير عن الدلالات الإنسانية التي أراد توصيلها في قالب فني جديد ومختلف، بدءاً من العنونة، التي اتخذت شكلاً مغايراً للمعتاد بحيث لم ترد العناوين بصورة مباشرة، بل هناك ثلاثة عناوين رئيسة ثم يتفرع عن كل عنوان رئيس عدد من النصوص، وهو ما يجعل العنونة عنقودية، داخل متن الديوان، وهذا الأمر جزء أساسي من فنية بناء النص الشعري بصورة مغايرة.
أما الأمر الآخر الذي قد يفتح شهية البحث الدقيق في الجوانب الفنية للبناء، هو ذلك الأمر المتعلق بالمزج بين الموسيقى والتشكيل، فحتى توزيع الكلمات داخل الصفحة يتخذ أشكالاً مختلفة، ويمكن لمن يعيد قراءة هذا المتن على نحو تفصيلي أن يكشف هذه الفنية، وترابط ذلك مع البنية الكلية للمتن. ومن ناحية أخرى ذلك المزج بين توزيع الكلمات وطبيعتها الصوتية والموسيقية، وتكراراها؛ مما يجعلها في كثير من المواضع تبدو أشبه بلوحة سيمفونية راقصة، أو رقصة تشكيلية. وينبغي هنا تقديم الاعتذار، حيث إن النماذج التي تم إدراجها -على سبيل الاستشهاد كما تقدم- لا تأخذ الشكل نفسه كما تبدو في الديوان، حيث اتخذ التوزيع الطباعي شكله الخاص الذي يتوازى مع خصوصية التعبير الفني العام، وهذا أمر بالغ الأهمية، خاصة لو علمنا أن المبدع هو من قام بتنسيق العمل طباعياً بنفسه وليس أحد غيره، وهذا الترابط بين القول والفكر والتشكيل والموسيقى سيقدم أخيراً مجموع الشنفرى، بوجهه الجديد كما يتجلى في هذا المتن، أعتقد أن هناك بحثاً آخر أقدر على إبراز فنياته وجمالياته الفكرية والفنية على نحو أقرب إلى روح العمل.
(*)- سعيد الجريري، من يوميات الشنفرى في Netherlands، دار فضاءات، عمان – الأردن، ط/1، 2015م.