في تصريح لافت لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير أثناء زيارة سمو ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان إلى فرنسا، قال إن مؤتمر جنيف كان دليلاً على أن مليشيا الحوثيين ليسوا جادين في الوصول إلى حل سياسي في اليمن، وهذه هي الواقعية السياسية لتوصيف مسار تحركت فيه الأمم المتحدة عبر مبعوثها ولد الشيخ إسماعيل أحمد الذي قرر المضي قُدماً في مشوار شديد الوعورة انتهى بمهزلة سياسية في جنيف.
وفيما يبدو أن المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ هو أكثر المتفائلين بإيجاد حل سياسي تبدو كل الأطراف المتنازعة في اليمن لا تملك شيئاً من التفاؤل، وذلك لأن تلك الأطراف اليمنية ما زالت تراهن على كسر العظم في أتون صراعات متواصلة لم تتوقف في محطات التاريخ السياسي اليمني سوى لتوقيتات قصيرة، وهذه الهوة بين المبعوث الأممي والفرقاء اليمنيين ليست مساحة صغيرة يمكن طيها والوصول من بعدها لحل سياسي ممكن.
مع وصول المبعوث الأممي إلى الكويت في محاولته إحياء فرصة السلام بعد خنقها في مؤتمر جنيف قصفت مليشيات الحوثيين مصافي الزيت في ميناء عدن، عملية نوعية تهدف إلى تكريس الضغط على سكان المدينة المحاصرة منذ نهاية مارس 2015م، والمغزى الحقيقي للقصف هو إلغاء إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية إلى عدن، وهي الجزئية التي ما زال التحالف العربي يحاول الوصول إليها عبر تأمين المدينة خاصة أن أجزاء واسعة منها ما زالت بيد المقاومة الجنوبية.
الرهان السياسي يبدو نافذاً في سلطنة عمان التي ترعى لقاءات مختلفة بين الأمريكيين والحوثيين حتى بعد فشل مؤتمر جنيف، وإذا كان الحوثيون قد وجدوا أنهم من الممكن أن ينسحبوا من عدن ومن كل المدن الجنوبية بتسليم الجنوب لطرف موالٍ لإيران وهو الرئيس السابق علي ناصر محمد، فهم في الحقيقة يضعون الجنوب في أتون صراع تاريخي يمكن أن ينفجر.
الخلفية التاريخية التي تعود إلى أحداث يناير 1986م قد تكون القنبلة المدوية التي يراهن على تفجيرها الحوثيون وحليفهم الرئيس المخلوع صالح، وعلى الرغم من أن الرئيس السابق علي ناصر محمد لا يملك شعبية تذكر، ولا يملك أذرعة قادرة على التأثير السياسي، إلا أننا نقف أمام مشهد مفرط في التجاذب السياسي، فكما تحاول الحكومة الشرعية الممثلة في الرئيس عبدربه منصور هادي إبعاد كل ممثلي القضية الجنوبية على اعتبار أن الرئيس هو الممثل عن الجنوب فإن الحوثيين يلعبون ذات الدور باعتبار علي ناصر محمد هو الممثل للجنوب، والفارق بين الرجلين في أن أحدهما تابع لإيران والآخر مرفوض إيرانياً.
هذا التضاد في القضية الجنوبية يدعونا إلى الارتقاء بالنظر في تلك الجهود الكبيرة التي تقودها المملكة العربية السعودية لتخليص اليمن من صراعات ومماحكات أدت إلى نزيف متواصل للدم اليمني بغير حق، إن عمليتي «عاصفة الحزم» و»إعادة الأمل» هما طوق نجاة لليمنيين جميعاً شمالاً وجنوباً، مستقلين أو متحزبين، هذا ما لم يعيه العقل اليمني السياسي أبداً، فما زال الجميع ينتظر الغدر برفاقه، وما زال الجميع ينتظر الاستحواذ على كل اليمن.
من الصعوبة افتكاك الحل السياسي من فرقاء ما زالوا يتصارعون لتوريط الآخرين في مستنقعهم، حالة اللاوعي واللامسؤولية السياسية هي التي صنعها اليمنيون منذ ما سبق ثورة 26 سبتمبر 1962م ولم يتعلموا أن كل رهاناتهم الخاطئة لن تؤدي إلى نتيجة صحيحة بل إلى مزيد من الصراعات حتى وإن تمحورت تلك الصراعات على ابتلاع الجنوب ككتلة جغرافية كاملة في سياق الادعاءات الوطنية التي استبيحت كلها منذ أن سقطت عدن في يوليو 1994م.
فعلياً على دول التحالف العربي أن تتحمل مسؤوليتها في إطار (الممكن) مساعدة اليمنيين بممارسة الضغط عليهم ليلتزموا العقل والتوقف عن مواصلة العبث السياسي، فالقرار الأممي 2216 وإعلان الرياض وقرار الجامعة العربية هي دعائم للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي يجب أن تعود للتفاعل السياسي مع احتواء القضية الجنوبية عبر ممثليها الحقيقيين سواء الذين قدموا لعاصفة الحزم كل الولاء والإخلاص عبر تضحيات جسيمة بلغت الأرواح فكانت الثمن صمود عدن الأسطوري وتحرير الضالع كأيقونة نصر لعاصفة الحزم.
بواقعية كاملة الحلول في اليمن ممكنة لكن تلك الحلول لا تجد طريقاً نافذة لأن مسارات الحلول تعبر عبر وسطاء لا يرغبون بأن يحصل الشعب اليمني على ما يستحق من التعليم والصحة والاستقرار، فلطالما كانت ثعابين اليمن تقتات من شعب هو الخاسر الوحيد من صراعات سلطة القبيلة وتوسيع نفوذها ولو كانت على بطون جائعة وعقول فارغة.