استوحيت عنوان هذا المقال من فقرة وردت في كلمة الرئيس هادي عند استلامه نسخة من المسودة الأولي لمشروع الدستور الاتحادي لليمن في يوم الأربعاء الماضي ٧/ يناير حيث قال في كلمته " ان النظام الاتحادي هو في نهاية المطاف شكل من أشكال الدولة وهو لوحده لا يحكم علي نجاح أو فشل التجربة اليمنية المستقبلية ، بل عامل النجاح الاول هو المضمون الذي سنعطيه نحن اليمنيين لهذه الدولة ، مضمون العدالة الاجتماعية ، والمواطنة المتساوية ، واحترام القانون ...." في التسويق الإعلامي لمشروع الدولة الفيدرالية يشار عادة الي ان نحو اكثر من ٤٠٪ من سكان العالم في ٢٤دولة اختاروا الصيغة الفيدرالية لدولهم ويكفي الإشارة في هذا الصدد ان من بين ١٥دولة الأكثر كثافة سكانية في العالم ١٢دولة منها ذات نظام فيدرالي وهذا فعلا مثيرا للدهشة .
لكنه في الوقت نفسه تجدر الملاحظة ان دولة فيدرالية مثل الهند الذي يتجاوز عدد سكانها المليار نسمة لا تبعد عنها كثيراً دولة فيدرالية اخري وهي جمهورية جزر القمر الاتحادية التي لا يتجاوز عدد سكانها نحو ٧٠٠الف نسمة وعلي مستوي الاتحاد الاوروبي فقط ٣دول ذات نظام فيدرالي ( ألمانيا الاتحادية ، والنمسا ، وبلجيكا ) من أصل ٢٨ دولة عضوا في الاتحاد الاوروبي !! تصنف احيانا حالة اسبانيا بأنها دولة فيدرالية بحكم نظامها الاداري والسياسي الذي يعطي حكما ذاتيا كإقليم كاتالونيا وإقليم الباسك حيث يمتلك كل منهما برلماناً منتخبا خاصا اضافة الي حكومة وإدارة عامة وميزانية وموارد ونظم وغيرها برغم انها دولة بسيطة وليست دولة مركبة ومثلها تسمي دول فيدرالية الواقع (de facto) ولا تصنف قانونا بدولة فيدرالية !! إذن من ناحية عدد الدول فان الدول ذات الأنظمة الفيدرالية هي ٢٤دولة من أصل ١٩٣ دولة من الدول الأعضاء في الامم المتحدة ولكنها تمثل وحدها اكثر من ٤٠٪ من سكان
العالم لماذا الدول تختار الصيغة الفيدرالية لنظام حكمها؟ البعض يختار الصيغة الفيدرالية من اجل تأسيس دولة قوية مزدهرة مثل حال الولايات المتحدة وأستراليا والبرازيل والبعض الاخر يلجأ الي الصيغة الفيدرالية لتحقيق أهداف اكثر تواضعا ومحدودية من اجل الحفاظ علي الدولة من التفكك مثل حال بلجيكا( التي كانت دولة بسيطة ) وكذا البوسنة والهرسك و اثيوبيا بينما دول اخري مثل كندا والهند لجات الي الصيغة الفيدرالية لتجمع بين أهداف النموذجين السابقين وكما هو معلوم عدد من نماذج أنظمة فيدرالية فشلت في تجاربها وتفككت بعد سقوط جدار برلين وهي الاتحاد السوفيتي 1991وجمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية( ١٩٩٠-١٩٩١) وتبعه انهيار اتحاد صربيا والجبل الأسود (١٩٩٢-٢٠٠٣) وفي الأخير نشير الي تفكك تشيكوسلوفاكيا (المشهور باسم الطلاق المخملي )
وعلي المستوي العربي نشير الي تجربة ليبيا التي كانت دولة فيدرالية في عهد السنوسي لمدة ١٢ عاما من١٩٥١-١٩٦٣ تحولت بعدها الي دولة بسيطة عكس الحالة اليمنية وفي الجنوب عرف التجربة الفيدرالية (التي لم تشمل المحافظات الشرقية. ) من اتحاد الجنوب العربي١٩٥٢-١٩٦٢ الي اتحاد الامارات الجنوب العربي ١٩٦٢-١٩٦٧ الذي انتهي مع الاستقلال وفي الأخير نشير في الإطار العربي نجاح التجربة الفيدرالية وهي الوحيدة لدولة الامارات العربية المتحدة وفي الإطار الاوروبي الي التجربة الرائدة لألمانيا الفيدرالية وكلاهما لجنة صياغة الدستور درست التجربتين عن قرب سنري عند نشر مسودة الدستور مدي استفادتهم من التجربتين وملائمتها علي الواقع اليمني وفي الحقيقة المسألة لا تقتصر علي شكل الدولة او النصوص الدستورية وإنما في النخب السياسية الحاكمة ومدي إيمانها بسيادة القانون وقدرتها علي الالتزام بنصوص وروح قواعد الدستور وقد أصاب الرئيس هادي في نهاية كلمته عند استقباله أعضاء لجنة صياغة الدستور حين أكد علي " مضمون العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية وبناء المؤسسات بعيداعن حكم الفرد او الاسرة او القبيلة او المذهب" وكل هذا كلام جميل جداً ولكن الواقع حتي الان بعيدا جداً عن كل ذلك الانتماء القبلي او المذهبي وأضيف المناطقي هو الذي يتحكم في خيارات الدولة والنظام الحالي فهل النظام الفيدرالي ونصوص الدستور الاتحادي سيغير في الامر شيئا لا اريد الاستعجال في الرد علي هذا التساؤل حتي نشر مسودة الدستور صحيح التركيبة القبلية والعسكرية للمجتمع اليمني لا تدعو للتفاؤل لكنني كرجل قانوني أعلم ان النصوص تساهم في تغيير تقاليد المجتمعات وقناعات النخب السياسية وان كان ذلك يأخذ وقتا طويلا
بريطانيا في ١٣ يناير ٢٠١٥